للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا أن تتخلى عن بعض حنانها، وأن -تنسى إلى حد ما- أني وحيدها، وقد نجحت في هذا الدور الصعب، فكنت أحسب لحزمها ألف حساب، ذلك الحزم الذي كنت أجده في الكلمة القارصة العنيفة في غير ما إسراف، أو في "علقة من مقبض "المروحة" التكروني أو الطائفي أو "المدك" الذي كان يستعمل في ضم "دكك" السراويل.. كان هو الآخر أداة إرهاب، وكان كثيرًا ما يكفي التلويح بأحد هذين السلاحين.. فقد كان أحدهما كافيًا تمامًا لروعي.

ولعل أدق مهامها أن تراقب صداقاتي، فلم تكن تسمح لي أن أكوّن صداقات إلا مع من تثق بهم، وكانت ضنينة بثقتها، وكان شكها كبيرًا، وهو مظهر من مظاهر ذكائها الحاد الذي كانت تستطيع أن تقرأ به الملامح، وأن تتفحص به اللهجة الصادقة، وابنة عمها المزيفة. ولكنها مع كل شكوكها لم تكن تضيِّق الخناق عليّ، بل تدرك بحسها المرهف أنه لا بد من منحي شيئًا من الحرية. وحينما تجاوزت العاشرة، وأخذت أسعى إلى أن تكون لي "خصوصية" لأنفرد بكتبي ولعبي، كانت تجتهد في أن تهيئ لي هذا المناخ، في ذلك الحد الضيق الذي كان يسمح به فقرنا!

لقد استطرت من الفرح حينما أعطتني بقايا "شنطة سفر" كبيرة لأجمع فيها أوراقي وكتبي، إنها أول مكتبة كونتها، وكانت هي صاحبة الفضل فيها، ثم أخذت بعد ذلك تحترم هذه الخصوصية، وتفسح الطريق لظهورها.

وكانت لا تتسامح مع الخطأ إن أخطأتُ، كما كانت تشجع التصرفات السليمة.

<<  <   >  >>