في بعض الأحايين كانت تبدي بعض الضيق بكتبي وأوراقي، وبالفوضى التي تنجم عنها، ولكنها سرعان ما تستسلم، وكأنها كانت تدرك أهمية الكتاب بالنسبة لي.
وحاولت في يوم من الأيام -حينما أصبحتُ موظفًا، وأصبحت سيد البيت- أن تلفت نظري إلى أنني أنفق الكثير على اقتناء الكتب، وكان هذا الكثير لا يزيد معدله على عشر مرتبي، فكانت حجتي أنني لا أدخن مثل الكثير من لِداتي، وأن ما ينفقه أمثالي مبدِّدًا في الهواء أنفقه على شراء الكتب التي تغذي فكري، ثم إن الكتب تعد من المدخرات مهما كسدت أثمانها، ومهما ضاق بعض الناس بها ذرعًا.
وكانت حجتي مقنعة لها، ولم تعد تناقشني بعد ذلك في تلك الكتب التي تكاثرت بعد ذلك تكاثر الفئران، وأصحبت ظاهرة مستشرية لا سبيل إلى دفعها وإن صدق فيَّ قول القائل: وعند الشيخ كتب مكدسة، ولكن ما قرأها.
ولعل مما كان يعزي أمي عن هذه الكتب التي أخذت تغزو دارنا، هي أنها نشأت هي الأخرى في مناخ كتبي، فعندما كانت "نفيسة" ـ وهذا اسمها ـ طفلة صغيرة كانت تجلس في دكان والدها السيد عبد الفتاح الرشيدي، وتراه وهو يبيع الكتب التي كانت شائعة تلك الأيام كصحيح البخاري، وفتوح الشام، والقصص الشعبية، وحينما كان والدها يتغيب عن الدكان لبعض شأنه، كان يتركها لحراسته، ولم تكن تتردد في البيع، وإن كانت تخطئ.