إلى عشرين ذهبية أرسلها مع فلان إلى مصر، ليرسل لي بضاعة من الكتب فإن ذلك أوفر لي من شرائها محليًّا، وسأرد المبلغ إليه بعد انقضاء موسم الحج القادم، فذهبت معه إليه، وأخرج الشيخ فرج يسر المبلغ المطلوب من "البشتخته" أي من الصندوق الصغير المخصص لحفظ النقود والأوراق المهمة، وسلمه إليه، فكتبنا له سندا به، وتمكن جدك من استيراد كمية من الكتب، كانت أول كتب يستوردها كتبي في جدة من مصر رأسًا.
كما تدربت على العيش في مناخ الكتب بعد أن تزوجت والدي الذي كان -يرحمه الله- قارئًا مولعًا بالمطالعة، يقرأ كل شيء.. الصحف والمجلات، والقصص، والروايات القديمة والحديثة، وكتب التراث، وبعض الأدب الجديد، ولكنه كان في تنقلاته الكثيرة ـ بحكم وظيفته ـ من بلد إلى بلد وبما كان يتعرض له من أزمات، كان يحسن التخلص من الكتب، فيبيعها إلى حين يستطيع شراء غيرها، وقد يهديها إلى من يراه قادرًا على الاستفادة منها.
وقصة اشتغال جدي لأمي ببيع الكتب في جدة، ثم العمل على استيرادها من مصر، ذكرها الشيخ عبد القدوس الأنصاري -يرحمه الله- في كتابه الضخم "تاريخ جدة" استقاها من الأفندي نصيف الذي كان يكثر من التردد عليه، خاصة حينما كان مشتغلًا بإعداد مادة كتابه ذلك.
وكان هذا الجو المليء بالكتب في طفولتها الباكرة، ثم في شبابها، ثم في مرحلة ما بعد الشباب، قد تعاون مع موهبتها الذاتية في تنمية معلوماتها، حيث كانت تتمتع بذاكرة حية، تستوعب وتختزن، وتحسن استعمال مخزونها من المعلومات.