حفظت الأحداث والتواريخ، والأمثال البلدية التي كانت تحفظ منها الشيء الكثير، وإذا كانت بعض الأمثال تعود إلى أصل شعبي مصري، فقد كانت تحرص على أن تنسبها لهذا المصدر، فتقول: قالت المصرية، ثم تورد المثل بلهجته المصرية. وقد استطعت أن ألتقط بعض الأمثال من روايتها، ولكن إلى حد ما. أما مخزونها من الشعر العامي، سواء العامية الحضرية المستعملة في مكة المكرمة وجدة وأمهات المدن الحجازية، أو العامية البدوية الشائعة في بادية الحجاز، خاصة ما يمكن أن أسميه بالودياني، نسبة إلى الوديان الخضراء المحيطة بمكة وجدة، فقد ساعدها هذا المخزون على أن تنظم شيئًا من الشعر العامي، الذي يخيل إلَّى أنه لقاء ما بين الشعر والنثر المسجوع. على أنها كانت تخفي عني هذه الأشعار، فهي كثيرًا ما تكون أشعارًا نقدية لبعض ما يقع في المجتمع من نشاز التصرفات، ولم أقف على شيء من هذه المقولات إلا في وقت متأخر جدًّا.
كانت ذاكرتها اللاقطة الحية تساعدها على تسجيل الأحداث التي مرت بها، فكانت تقص علينا قصة حياتها وكأنها تقرأ في كتاب مفتوح، وهي قصة مليئة بالمتاعب، فقد تغربت عن بلدها "جدة" وهي في ريعان الشباب في صحبة أبي الذي كان يتنقل بحكم عمله في الجمارك من بلد ساحلي إلى آخر على طول البحر الأحمر، من العقبة إلى ضبا وأملح وينبع والليث، وكانت هذه البلدة الأخيرة آخر المطاف، حيث استقر به المقام بعدها في مكة المكرمة، وقد صحب هذا الاستقرار بداية حياة بائسة غنية بالبؤس والفقر!