في شبابه يسكن "حارة الشام" وكان أهل الحي يعدونه زينة شباب الحي، وأن لأهل الحي في ذلك شعرًا عاميًّا، وأنه كان يتمتع بوسامة تجعل فتيات الحي يهرعن إلى الرواشين ليرينه إذا مر، وكما هو معلوم، فإن مدرسة "الفلاح" التي كان يدرس بها تقع في هذا الحي إذا لم أكن مخطئًا.
وكانت تقص عليّ أن والدها ـ يرحمه الله ـ اشترك مع بعض جيرانه في استقدام مدرس مصري ـ كان اسمه "شاهين" ـ يعلم أولادهم الصغار، وأن أحدهم تبرع بإخلاء غرفة في داره لتكون نواة هذه المدرسة، وأهل جدة أدرى بهذه المعلومة وتفاصيلها، وأحسب أن الأستاذ عبد القدوس الأنصاري ـ يرحمه الله ـ قد أوردها في كتابه الضخم "تاريخ جدة".
وكثيرًا ما حدثتني عن الأحداث الكبيرة التي تعرضت لها جدة، كالحروب والحصار والمجاعة، كما حدثتني عن كبار البيوتات بها، وعن الأصول التي تنتمي إليها بعض البيوتات، وتجاراتها، وبدايات أعمالهم، وتقاليد الأسر ... إلخ، ولكني لم أحفل بتدوين شيء من أحاديثها، وأعترف أن ذلك كان تفريطًا مني.. ربما كان مرده أني كنت أفضل أن تكون جلساتي إليها عائلية محضة.. أقول ربما، وإن ظللت غير مقتنع بهذا العذر.
وإذا ذهبت أبحث عن أهم ما تميزتْ به في حياتها فقد كان يتمثل ذلك في صبرها واحتمالها.
في صدر شبابها فقدت زوجها الأول، الذي توفي شابًّا، ثم فقدت ابنها منه وهو في حوالي العاشرة، وفقدت بعض أطفالها من أشقائي قبل أن