للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الحيثية، فنقول: الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصَّل بأجزاء متفقة في الوزن والرويّ".

فالجاحظ يضيف إلى خصائص الشعر الناحية الشعورية القوية فيه، فما كل كلام موزون مقفى شعر، بل الشعر ما يجيش في الصدر، فيقذف إلى اللسان تعبيرًا مشحونًا بالعواطف والأحاسيس.

أما ابن خلدون فلا يرضيه تحديد العروضيين للشعر بأنه الكلام الموزون المقفى فقط، بل لا بد لهذا الكلام أن يكون بليغًا، مبنيًّا على الاستعارات والأوصاف، أو بعبارة أقرب إلى فهمنا: لا بد أن يكون بناؤه اللفظي قائمًا على صور شعرية، تدل على خيال رائع.

فالذي يحصله المرء عن فهم الأقدمين للشعر، تلخصه الأمور الآتية:

أ- أن الشعر موسيقا تؤديها الألفاظ بالوزن والقافية.

ب- أنه يحمل الشعور الذي يجيش في الصدور، ويقذف على اللسان.

جـ- أن نسجه يتألف من صور فنية للمعاني والمشاعر.

فهذه الأمور الثلاثة "الموسيقا، والعواطف، والتصوير" تكوِّن سمات الشعر لدى علمائنا الأقدمين، ولا أظن المشتغلين بالشعر في العصر الحديث قد زادوا عليها شيئًا كثيرًا في تحديد مفهومه.

وبناء على ذلك فإن مقابل الشعر -وهو "النثر"- لا يؤخذ في مفهومه الصفات السابقة في الشعر، أوبعبارة أخرى: ليس من اللازم أن تتحقق فيه، وربما حمل بعضها أحيانًا بطريقة عفوية"١.


١ د. محمد عيد: المستوى اللغوي للفصحى واللهجات، للنثر والشعر، ط١، عالم الكتب، القاهرة ١٩٨١م، ص١٠٦-١٠٨.

<<  <   >  >>