مكّنتك من جرحهما, فإن قال: لي بينة بالجرح وجب إمهاله ثلاثة أيام، وللمدَّعِي ملازمته إلى أن يثبت الجرح، فإن لم يأت بالجرح كان للمدَّعِي أن يطالب بالحكم.
وإن كان الشهود مجاهيل؛ فإن جهل إسلامهم رجع فيه إلى قولهم، وإن جهل حريتهم لم يقبل إلا ببينة, وإن جهل عدالتهم سأل عن اسم كل واحدٍ منهم، وعن كنيته، وعن صنعته، وسوقه، ومصلّاه، واسم المشهود له، والمشهود عليه، وقدْر الديْن، وكتب ذلك في رقاع، ويدفعها إلى أصحاب المسائل، ولا يُعلم بعضهم ببعض، وأقلهم اثنان. وقيل: يجوز واحد، فإن عادوا بالتعديل أَمَرَ من عدّلهم في السر أن يعدلهم علانية كما عدلهم سرًّا، ويكفي في التعديل أن يقول: هو عدل. وقيل: لا يجوز حتى يقول: عدل عليَّ ولِي.
ولا يقبل التعديل إلا ممن هو من أهل المعرفة الباطنة, وإن عادوا بالجرح سقطت شهادتهم، فإن عاد أحدهما بالتعديل والآخر بالجرح أنفذ آخرين، فإن عدّله اثنان وجرحه اثنان قدّم الجرح على التعديل، ولا يقبل الجرح إلا مفسَّرًا.
فإن سأل المدَّعِي أن يحبسه حتى يثبت عدالتهم حُبِس، وإن قال المدَّعِي: لي بينة غائبة؛ فهو بالخيار؛ إن شاء حلف المدَّعَى عليه, وإن شاء صبر حتى تحضر البينة.
وإن أقام شاهدًا واحدًا وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني ففيه قولان. وقيل: إن كان في المال حبس قولًا واحدًا.
وإن علم الحاكم وجوب الحق فهل له أن يحكم بعلمه؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يحكم. والثاني: لا يحكم. والثالث: يحكم في غير حدود الله عز وجل، ولا يحكم في حدوده، وهي حد الزنى، والسرقة، والمحاربة، والشرب.
وإن سكت المدَّعَى عليه فلم يقرّ ولم ينكر، فقال له الحاكم: إن أجبتَ وإلا جعلتُك ناكلًا، ويستحب أن يكرر عليه ذلك ثلاثًا، فإن أجاب وإلا جعله ناكلًا، وإن قال: لي حساب وأريد أن أنظر فيه لم يلزم المدَّعِي إنظاره, وإن قال: برئت إليه مما يدّعي أو قضيته فقد أقرّ بالحق.
ولا يُقبل قوله في البراءة والقضاء إلا ببيّنة، وإن قال: لي بينة قريبة بالقضاء والإبراء أمهل ثلاثة أيام، وللمدَّعِي ملازمته حتى يقيم البينة، وإن لم تكن له بينة حلف المدَّعِي أنه ما برئ إليه ولا قضاه واستحقّ.