للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدٌ صلى الله عليه وسلم جواداً

فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفساً ويداً، فكفه غمامة بالخير، ويده غيثٌ بالجود، بل هو أسرع بالخير من الريح المرسلة، لا يعرف لا؛ إلا في التشهد.

ما قال (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ

يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه بعث بمكارم الأخلاق، فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنماً بين جبلين، وأعطى كل رئيسٍ من العرب مائة ناقة، وسأله سائلٌ ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه، وكان لا يرد طالب حاجة، قد وسع الناس بره، طعامه مبذول، وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجهه بسام.

تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ينفق مع العدم، ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ويوزعها في ساعة، لا يأخذ منها شيئاً، مائدته صلى الله عليه وسلم معروضةٌ لكل قادم، وبيته قِبلةٌ لكل وافد، يضيف، وينفق، ويعطي، ويؤثر، ويصل القريب بما عنده، ويواسي المحتاج بما يملك، ويقدم الغريب على نفسه، فكان صلى الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، حتى لا يُقارن به أجواد العرب، كـ حاتم وابن جدعان؛ لأنه يعطي عطاء من لا يطلب الخلف إلا من الله.

ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفاً، وأسخاهم يداً، وأكرمهم محتذى، قد غمر أصحابه وأحبابه -بل حتى أعداءه- ببره وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، جلس الأعراب على طعامه، حفَّ المنافقون بسفرته، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرم بضيف، أو تضجر بسائل، أو تضايق بطالب، بل جّرَّ أعرابي بردته حتى أثَّر في عنقه، وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك ولا أمك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك وأعطاه.

وجاءته كنوزٌ من الذهب والفضة فأنفقها في مجلس واحد، ولم يدخر منها درهماً ولا ديناراً، ولا قطعة، فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذم البخل والإمساك فيقول: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه} وقال: {كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يفصل بين الناس} وقال: {ما نقصت صدقةٌ من مال}.

<<  <  ج: ص:  >  >>