[وقفة مع بلال بن رباح]
بلال بن رباح: صاحب أنشودة الكفاح الأولى، سحبوه وهو يردد: (أحدٌ أحد)؛ لأن الرجل ذاق: (قل هو الله أحد) الحياة عنده أن يموت الباطل، الموت لديه أن يعيش الباطل، رماه الكفار بالحجارة فأخذه الإمام ورفعه علىالمنارة، وصل بصوته أهل الأرض بأهل السماء، وأهل الفناء بأهل البقاء، والضعفاء بالأقوياء، فهو صمود المستضعفين أمام الجبروت، وقلعة البائسين في وجه المستكبرين، بلال قصة الإسلام يوم ألغى الرق، وحرر الضمير، وأنهى الاستبداد، وأكرم الموالي، تمثل فيه السمو بلا نسب، والنبل بلا مال، والرفعة بلا جاه، والعزة بلا عشيرة، أذن بلال الأسود على الكعبة السوداء معلناً سيادة الحق.
بلال ثلاثة مشاهد: مشهد الحجارة السوداء تصلي جسمه، والأذان يتفجر من حنجرته، ونشيد:
غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه
بلال برهانٌ على عظمة المبدأ، وانتصار القيم، ورسوخ الميثاق.
استعبده أمية فحرره أبو بكر، أرخصه الكفر؛ فأغلاه الإسلام، لفظته الأرض فاستقبلته السماء، ضربت قدماه بالسياط فسمع دفَّ نعليه على البساط، أزعج المشركين بنداء: (أحدٌ أحد) وأطرب المؤمنين بأذان: (أشهد أن لا إله إلا الله).
موهبة بلال يعبر الأثير في صرامة وحرارة، ولدته أفريقيا، وربته آسيا، وأنصتت لصوته أوروبا، الأهل في الحبشة، والشباب في مكة، والعمل في المدينة، والمنصب على المنارة، والوفاة بـ الشام، والموعد الجنة.
الإمام قرشي، والمؤذن حبشي، ماء النسب عقيدة، وصلة القربى مبدأ، وعروة المحبة إيمان، فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر.
بلال حيث ينتصر الحق على الباطل، والحقيقة على الخيال، واليقين على الظن، والفقر الطاهر على الغنى الزائف.
ألا يكفي جلادي العالم عبرةً أن السياط لا تلغي القيم، وأن المشانق لا تقتل مبادئ، وأن التعذيب لا يميت الحق، والدليل سيرة بلال، فقد بقي صوته ينقل حياً على هواء القلوب، عبر أثير الصدق والصمود والإصرار والصلاح والصبر.
بلال: تحدى بطهره الحجارة، وبحنجرته الفضاء، وبحبشيته أمية بن خلف، وبالسواد البياض، وبالقلة الكثرة.
إن جاءت الإمامة بشارة، قال: يا بلال! أذن في الناس، وإن حزبه أمرٌ قال: {أرحنا بالصلاة يا بلال}.
في سيرة بلال: أن المجد لمن غلب، وأن النهاية لمن صبر، وأن العاقبة لمن افتقر، ركوة لشرب المعلم، وعصا بلال سترة للإمام، وعين بلال لمراقبة الفجر، وفم بلال لإعلان الميثاق.
ركب بلال المنارة منادياً إلى الصلاة، وركب الكعبة صارخاً بالحق، وركب فرسه منافحاً عن الملة، ثم ركب أكتاف الأبطال إلى الجنة، والآن يرقد بلال بعد أن أدى ما عليه، وسلم ما لديه، وقاتل بيديه، وسعى بقدميه، ويكفيه أنه في الجنة يسمع دف نعليه.