[وقفة مع علي بن أبي طالب]
علي بن أبي طالب: سر هذا الإنسان أنه يحب الرحمن ويحبه الرحمن.
هذا الرجل شجاعٌ يجيد فن قطع الرءوس الوثنية على الطريقة الإسلامية، إذا ضرب بالسيف هزه هزاً؛ لأن في الرءوس مسامير اللات والعزى.
أسلم طفلاً، وحضر بدراً شاباً، وتولى الإمامة كهلاً، وقتل شيخاً، فالسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً.
هو صاحب تلك الكلمات، وأستاذ تلك العبارات، ومدبج تلك الجمل النيرات، لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، لا يخرج عليه إلا باغٍ، لا يسبه إلا فاجر.
خطف رأس الوليد في بدر، وسلب جمجمة عمرو في الخندق، ونحر العاص بن وائل في يوم الفرقان، وكسر لواء الباطل يوم أحد، ودك الحصن يوم خيبر.
علي مرفوع بين الرفض والنصب، الرافضة جاوزوا فيه العدل، وقالوا فيه بالجهل، وقد أغناه الله عن قيلهم، وتزكيته خيرٌ من تعديلهم، وأهل النصب نسبوا إليه المساوئ ودفنوا محاسنه ولم يرووها كما هي، فرفض أهل السنة فريضة الرافضة، ونصبوا نصاب العدل في وجوه النواصب، فـ عليٌ عند أهل الحق لاحت نجومه، وارتفعت سهومه.
نهشته الحراب في المحراب، فسجد سجدة طويلةً لله لم يرفع رأسه بعدها أبداً، فصيحٌ لَسن، كل ما فيه حسن، ليعش أبو الحسن.
ماذا نقول وهو ابن عم الرسول، وسيفه المسلول، وزوج ابنته البتول أبناؤه سادة الأبناء، وعمه سيد الشهداء؟
حطم جماجم المشركين، ومزق جلود اليهود، وكمم أفواه البغاة، وأخرج بالسيف أدواء الخوارج.
شتت شمل الفتنة في الجماعة، وجمع شمل الأمة في الفتنة، جبر قناة الدين، وكسر رمح المعتدين، له في عالم البطولات فنون، وله في عنق الأمة ديون، وهو من الحبيب بمنزلة هارون.
أعطى الدين كل همه، فنام في فراش ابن عمه، من أحب محمداً أحب علياً، ومن أحب علياً أحب محمداً.
حطم درعه فتزوج به فاطمة، وكسر سيفه فعوض بذي الفقار، ومزق قميصه فألبس تاج: ويحبه الله ورسوله.
طلب الشهادة في بدر؛ قيل له في أحد، فبحث عنها هناك؛ فنودي: لعلها في حنين، فهب إليها قالوا: ربما تكون في خيبر، فلما وصلها قالوا: تأخر الموعد، قال: ما أحسن القتلة في المسجد! قتلوه قتلهم الله، ألا سألوه عن العلم، فإنما شفاء العي السؤال.
بديهته أسرع من الضوء، وأعجل من البشرى، وأنصع من الفجر، عالمٌ إن لجلج في الأعماق غاص، وإن طلب الحجة حضرت بلا مناص؛ لأنه من الخواص، جبنت نفسه عن طلب الدنيا فالأثاث حصيرٌ وركوة وملحفٌ وجفنة، وتاقت نفسه للجنة، فالزاد إيمانٌ وهجرةٌ وجهادٌ وشهادة، ما فر في معركة قط وما ضرب بسيفه في الكفار إلا قط.
الناس فيه طرفان ووسط، ما بين غلوٍ وشطط، مادحٌ غلا حتى ادعى في عصاميته العصمة، وقادحٌ جفا حتى شك في صحة صحبته، وهو لا هذا ولا ذاك؛ بل هو ابن عم النبي الأمي المنير، وهو عالمٌ مجتهدٌ نحرير، للمؤمنين أمير، وبكل فضلٍ جدير.
علي أشجع ما يكون إذا لقي، أرهب ما يكون إذا بكى، أصدق ما يكون إذا نطق، آنس ما يكون إذا ضحك.
من مفاخر الشجاعة أن علياً وحيدها، ومن تفاهة الدنيا أن علياً لا يحبها، ومن مدائح المنابر أن علياً بطلها، ومن خصائص الشهادة أن علياً يخطبها.
ترخص عندنا الدنيا إذا ذكرنا علياً، نشتاق للشهادة إذا ذكرنا علياً، يغضب الباطل إن أحببناه، ويثور الحق إن أبغضناه.
علي طرازٌ آخر، وقصة أخرى، وشيءٌ ثان، إن تكلم فهي الكلمة الثائرة العابرة الصادقة، وإن ضرب فهي الضربة القاتلة القاضية، وإن بكى فهي الدمعة الحارة المعبرة الواعظة، وإن ضحك فهي البسمة الموحية الجاذبة الآسرة.
زهدٌ إذا أقبلت الكنوز، ثباتٌ إذا ادلهمت الخطوب، شجاعة إذا حضرت الجيوش، فصاحة إذا ازدحمت الجموع، علي للمواقف، أبو الحسن للمعضلات، أبو تراب للأزمات، أحبك يا علي، وأحب من يحبك، يا أبا الحسن! أحبك حباً كثيراً طيباً كما تحب أن يكون الحب، وافياً مثلما تريد أن يكون الوفاء، صادقاً كما تهوى أن يكون الصدق.