[علماء التابعين]
٤٠٠٠٤٨٥ سعيد بن المسيب: سيد التابعين، ما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة، وكان يمضي ثلاثة أيام مسافراً في طلب الحديث الواحد، وغالب جلوسه في المسجد، وكان مرجع الناس في الفتيا وتعبير الرؤيا، مع قيام الليل، والقوة في ذات الله، والغيرة على محارم الله، والصدق والزهد والإنابة والسخاء والهيبة والعلم الراسخ.
عطاء بن أبي رباح المولى الأسود: رفعه الله بالعلم، ومكث بالحرم ثلاثين سنة يطلب العلم، ثم صار مفتي الناس، مع تقشفه وإخلاصه وورعه، وتبحره وإتقانه في الرواية، وفقهه في الدراية، فصار إماماً للناس.
والحسن البصري المولى: جاهد في طلب العلم ومعرفة السنة، والصبر على الاشتغال بالأثر، مع ما رزقه من فصاحةٍ ورجاحةٍ وملاحةٍ وسماحة؛ فصار كلامه دواءً للقلوب، ووعظه حياةً للنفوس، وهو في ذلك واحد الناس زهداً وتواضعاً وإنابةً وخشيةً وورعاً واستقامة، حتى رفعه الله في المحل الأسمى وبوأه الله المكان الأعلى.
ومحمد بن شهاب الزهري: حافظ السنة، وإمام الناس في الحديث، طلب العلم مع الفقر والحاجة، وصبر وثابر، وارتحل إلى العلماء، واعتنى بالحديث، فصار أحفظ أهل زمانه، مع فقهٍ ودراية، وسخاءٍ حاتمي، وكرمٍ سارت به الركبان، فاستحق أن يكون اسمه في ديوان السنة مرقوماً، وفي الخلود منقوشاً.
وعامر الشعبي: الإمام الجامع للعلوم، كان قديم السلم، وافر الحلم، كثير العلم، تبحر في السنة، وبرع في الأدب، مع ذهنٍ وقاد، وقلبٍ ذكي، وفهمٍ ثاقب، حتى صار رسول الخليفة عبد الملك إلى ملك الروم، لعلمه وفهمه وبديهته وفصاحته ونبله وقوة شخصيته، وهو الذي يقول: [[ما كتبت سوداء في بيضاء، وما استودعت شيئاً فخانني]] أي ما نسي علماً.
أبو حنيفة: الفقيه الكبير، اجتهد في طلب العلم ورزقه الله فهماً وذهناً خصباً، صار الناس في الفقه عيالاً عليه، فقعد واستنبط، وصدف عن الدنيا، وأعرض عن المناصب، وفَرَقَ من القضاء، واكتفى ببيع البز، مع عبادةٍ وزهدٍ وخشوعٍ وصدقٍ وذكاءٍ منقطع النظير.
مالك بن أنس: إمام دار الهجرة، صاحب الموطأ الذي فاق الناس عقلاً، وأنفق عمره في طلب الحديث، حتى شهد له سبعون عالماً أنه أهلٌ للفتيا، فصارت تضرب إليه أكباد الإبل، وتشد إليه الرحال، حباه الله بجلالة ووقارٍ مع سمتٍ وجمال مظهرٍ وسلامة مخبر.
الشافعي: إمام الآفاق، الذي قعَّد القواعد، وأصَّل الأصول، سخر جسمه ووقته في طلب العلم، فحلَّ وارتحل، وجال وصال، حتى ضرب بعلمه الأمثال، وصار كالشمس للبلدان، وكالعافية للأبدان، مع صبره وشكره وزهده وأدبه وفصاحته وشعره ونبوغه وعلو همته، ورجاحة عقله، وسعة معارفه.
أحمد بن حنبل: إمام السنة، وقامع البدعة، وبطل المحنة، طاف الأقطار، وقطع القفار في جمع الآثار، مع الجوع الشديد، والتعب المضني، والفقر المتقع، والزهد الظاهر، ثم ابتلاه الله بالمحنة، فحبس وجلد فما أجاب، فرفعه الله لعلمه وصبره وصدقه، حتى أصبح ذكره في الخالدين، وصار إماماً للناس أجمعين.
عمر بن عبد العزيز: الخليفة الزاهد العابد المجاهد، مجدد القرن الأول، عزف عن الدنيا، وأعرض عن الشهوات، وأقبل على العلم والعبادة، والزهد والعدل، فأقام الله به السنة، وقمع به البدعة، وأنار به طريق الإصلاح، وجدد به معالم الفلاح، فهو إمام هدى، وعالم ملة، ورباني أمة.
سفيان الثوري: زاهد زمانه، وعالم دهره، زهد في الفاني، وأقبل على الباقي، وحفظ الحديث، وجَوَّد الزَاد، أفتى وعلم، وأمر ونهى ووعظ، ونصح بنية صادقة، وعزيمة ماضية، وهو مع ذلك يحفظ أنفاسه، ويربي جلاسه، حتى أتاه اليقين.
عبد الله بن المبارك: الذي جمع الله له المحاسن، فهو العالم العامل الزاهد العابد المجاهد المحدث الحافظ الغني المنفق، الأديب الفصيح، سليم الصدر، طيب الذكر، عظيم القدر، منشرح الصدر، دأب في الخير، وصبر على التحصيل، وداوم على الفضائل، حتى جعله الله إماماً في الناس يفوق الوصف.
الإمام البخاري: صاحب الصحيح فتح الله عليه بالعلم، فوصل الليل بالنهار في طلب الآثار، حتى صار إمام الأقطار، فضرب بحفظه المثل، مع المعرفة التامة، والفهم الدقيق، يُزين ذلك خلقٌ كريم، وزهدٌ مستقيم، ثم ترك ميراثاً مباركاً من العلم في كتابه الصحيح، الذي هو أجل كتابٍ بعد القرآن، فجزاه الله عن الأمة أفضل الجزاء، وأنزله الفردوس الأعلى.
وقس على هذا الإمام مسلم صاحب الصحيح، ومصنفي الصحاح والسنن، والمسانيد، والمعاجم من المحدثين الأخيار أهل الهمم الكبار.
وانظر لـ سيبويه: إمام النحو، الذي طاف البوادي، وزاحم العلماء، ثم ألف كتابه المسمى بـ الكتاب، فصار أعظم كتابٍ في النحو، وصار من بعده من النحاة عالةً عليه، فاستحق الثناء، واستوجب الشكر، ونزل منزلةً ساميةً عند أهل الإسلام، لفرط ذكائه وبراعته، ومئات النحاة تزينت بهم الكتب، وأشرقت بهم المجالس، ولولا الإطالة لأشرت لكل واحدٍ منهم، وإنما أكتفي بالأعيان، ومن له ذكرٌ وأثرٌ وتفردٌ وتميزٌ ولموعٌ وسطوعٌ وإبداعٌ.
وهذا محمد بن جرير الطبري: صاحب التفسير، جمع الفنون، وصنف التصانيف، وحاز قصب السبق في تفسير كتاب الله، حتى صار شيخ المفسرين، وصار كتابه أعظم كتابٍ في هذا الفن، فتداوله الملوك، وتباصرت به الأقطار، ونهلت من فيضه الأجيال، فهو مرجعٌ لكل مفسر، ومعتمد كل عالمٍ لكتاب الله تعالى.
وهذا ابن حبان صاحب الصحيح، المحدث الأعجوبة، الذكي العبقري اللوذعي الألمعي، طاف البلدان، وهجر الأوطان، وبرع في هذا الشأن، حتى روى عن ألفين من الشيوخ، ومن شاء فلينظر إلى كتابه الصحيح، وكتبه الأخرى، فإن فيها من التبحر والدقة والبراعة ما يفوق الوصف.