وصفه ربه بقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧] فهو رحمةٌ للبشرية، وورد عنه أنه قال:{إنما أنا رحمةٌ مهداة} ورأى ولد إحدى بناته تفيض روحه فبكى، فلما سئل عن ذلك قال:{هذه رحمةٌ يضعها الله في قلب من يشاء من عباده}.
وكان رحمة على القريب والبعيد، عزيزٌ عليه أن يدخل على الناس مشقة، فكان يخفف بالناس مراعاةً لأحوالهم، وربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف؛ لئلا يشق على أمه، ولما بكت أمامة بنت زينب بنت ابنته حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها، وسجد مرةً فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود فلما سلم اعتذر للناس وقال:{إن ابني هذا ارتحلني؛ فكرهت أن أرفع رأسي حتى ينزل} وقال: {من أمَّ منكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة} وقال لـ معاذ لما طول بالناس: {أفتان أنت يا معاذ؟} وقال: {لولا أن أشق على الناس لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة}.
وربما ترك العمل خشية أن يُفرض على الناس، وكان يتخول أصحابه بالموعظة، وكل ذلك رحمةً عليه الصلاة والسلام، وكان يقول:{القصد القصد تبلغوا} ويقول: {بعثت بالحنيفية السمحة} ويقول: {خير دينكم أيسره} ويقول: {عليكم هدياً قاصداً} ويقول: {عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا}{وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً} وأنكر على الثلاثة الذين شددوا على أنفسهم في العبادة، وقال:{والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني} وأفطر في سفرٍ في رمضان، وقصر الرباعية، وجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر، ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم، وقال:{هلك المتنطعون} وقال: {ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نزع الرفق من شيءٍ إلا شانه} وأنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة، وقال:{إياكم والغلو} ويروى عنه قوله: {أمتي أمةٌ مرحومة} وقال: {إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم}.
وهذا اليسر في حياته عليه الصلاة والسلام يوافق يسر الملة، وسهولة الشريعة، وهو امتثالٌ منه صلى الله عليه وسلم لقول ربه:{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}[الأعلى:٨] وقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦] وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:١٨٥] وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:٧٨].
فهو صلى الله عليه وسلم سهل ميسر، رحيمٌ في رسالته، ودعوته، وعبادته، وصلاته، وصومه، وطعامه، وشرابه، ولباسه، وحله، وترحاله، وأخلاقه، فالحياة مبنية على اليسر؛ لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، فليس اليسر أصلاً إلا معه، فهو اليسر كله، وهو الرحمة والرفق بنفسه صلى الله عليه وسلم.