للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي، وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف. وقال ابن المنير في الحاشية: إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول: أخرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل، وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر (١) .

٨- قال الشيخ أحمد شاكر: "وقد رجحنا أن غسل الجمعة واجب في نفسه، أعني ليس شرطاً في صحة الصلاة، فمن لم يأت به صحت صلاته، وكان مقصرا في الواجب عليه؛ إذ ليس في الأحاديث ما يدل على شرطيته في صحة الصلاة، وبذلك يجمع بين الأحاديث" (٢) .

قلت:

بعد أن جمعت أقوال العلماء في درء هذا التعارض، تبين لي أن خير ما درئ به هو أن حديث "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" أن ذلك على سبيل التأكد، وليس على سبيل الإيجاب الاصطلاحي الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وذلك يدل عليه أحاديث كثيرة أسلفها العلماء، وأنا أشير إلى بعضها إشارة:

١- حديث خطبة عمر وقول عثمان: لم أزد على أن توضأت.

٢- حديث عائشة في سبب ندبية الغسل وفيه (لو اغتسلتم) ، فلولا تقتضي الوجوب، وإنما تدل على الحث والتحضيض.

٣- حديث سمرة (من توضأ فبها ونعمت..الحديث) .

كما أن بيان ابن عباس لعلة شرعية الغسل تدل على أنه لم يكن للجمعة مشروعية الغسل مطلقاً، فلما حصل الأذى شرع الغسل فبادر إليه المسلمون. وأن في ترك الغسل مظنة تأذي المسلمين، لذا شرع تجنب ما يؤذيهم.


(١) فتح الباري (٢/٣٦٢) .
(٢) سنن الترمذي (٢/٣٧١) بتحقيق وتعليق أحمد شاكر.

<<  <   >  >>