قال:"وقد أطال المصنفون في الفقه الكلام في المستحاضة، واضطربت أقوالهم اضطرابا يبعد فهمه على أذكياء الطلبة، فما ظنك بالنساء الموصوفات بالعي في البيان والنقص في الأديان، وبالغوا في التعسير حتى جاؤوا بمسألة المتحيرة فتحيروا، والأحاديث الصحيحة قد قضت بعدم وجودها، لأن حديث الباب ظاهر في معرفتها إقبال الحيضة وإدبارها، وكذا الحديث الآخر في الباب، فإنه صريح في أن دم الحيض يعرف ويتميز عن دم الاستحاضة، فطاحت مسألة المتحيرة ولله الحمد، ولم يبق ههنا ما يستصعب إلا ورود بعض الأحاديث الصحيحة بالإحالة على صفة الدم، وبعضها بالإحالة على العادة، وقد عرفت إمكان الجمع بينها بما سلف"(١) .
قلت:
وبعد هذا البيان من الإمام الشوكاني، لم يبق إشكال في هذه الأحاديث، واختفى التعارض عنها، وهذا الذي ذهب إليه هو الذي أراه صواباً. ... والله أعلم.
المبحث الثالث:
كيف تتطهر المستحاضة للصلاة.
ويتعارض في هذا المبحث أحاديث في مسألة تطهر المستحاضة للصلاة، وتختلف أقوال الفقهاء بحسب هذه الأحاديث، فمن الفقهاء من يوجب على المستحاضة الاغتسال عند كل صلاة.
وفريق ثان يوجب عليها أن تغتسل لكل صلاتين تجمعان غسلا، وتفرد للفجر غسلا.
وفريق ثالث يوجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
ولكل فريق أحاديث يحتج بها ويعارض بها الفريق الآخر.
فمن الأحاديث التي يحتج بها الفريق الأول: حديث عائشة -رضي الله عنها- "أن أم حبيبة بنت جحش، استحيضت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرها بالغسل لكل صلاة".