فإن السنة هي المصدر الثاني للتشريع، لذا فقد لاقت من عناية المسلمين ما حفظها، ولا غرو؛ فهي قرينة القرآن، أوتيها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليبين للناس ما نُزِّلَ إليهم لعلهم يعلمون فيتقون، جاءت شاملة كاملة، لكن أهل الزيغ والضلال زعموا اختلافها وتعارضها، لمَّا لم يفهموا مرادها، فتشككوا وشككوا من غير تدقيق ولا نظر، فقام من أئمة الحديث مَن بيَّنَ خطأهم وردَّ شبهتهم، فجمع بعض الأحاديث المتعارضة وردَّ تعارضها، وذلك ببيان نسخ بعضها لبعض تارة، أو ترجيح بعضها على بعض، أو التوفيق تارة أخرى.
وممن صنف في ذلك الإمام الشافعي وابن قتيبة وغيرهما، وقد طالعت هذه المصنفات رغبة مني لأن أجد درء تعارض كل حديثين متعارضين فلم أجد.
كما أن أصحاب هذه المصنفات اقتصروا على جزء يسير من الأحاديث التي حفلت بها السنة الشريفة المطهرة، فبقي كثير من الأحاديث ظاهرها التعارض، ولم يجمعوا بينها أو يفندوا تعارضها.
فعزمتُ مستعينة بالله على جمع هذه الأحاديث مستقصية لها ومحققة إياها، ولأجل ترتيب كثير من كتب السنة بحسب الكتب والأبواب الفقهية، كان كتاب الطهارة هو أول كتاب بحثت فيه عن الأحاديث المتعارضة، فوجدته كافياً لمثل هذه الرسالة حيث وقفت فيه على تسع عشرة مسألة، يتعارض فيها خمسة عشر ومائة حديث.
وقد دفعني إلى البحث في هذا الموضوع أسباب متعددة، أذكر منها:
١- أهمية البحث البالغة لخاصة المسلمين وعامتهم، حيث يزيل اللبس عن أكثر الأمور أهمية في حياة المسلم.
٢- وجود مادة هذا البحث مفرقة بين كتب الفقه والحديث.
٣- وجوب إزالة التعارض عن أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي يتراءى للقارئ حين يقف على كتب السنة.
٤- أهميته للمكتبة الحديثية والفقهية، فخلوها منه خلل لا يسده غير هذا البحث.