للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- أن حاجة الأمة -حضرها وبدوها- على اختلاف أصنافها إلى معرفة الفرق بين الطاهر والنجس ضرورية، فكيف يُحالون في ذلك إلى ما لا سبيل لأكثرهم إلى معرفته؟ فالناس لا يكتالون الماء، ولا يكادون يعرفون مقدار القلتين، ثم هي لم تنضبط ولم يتفق على مقدارها، وليس هذا شأن الحدود الشرعية.

٤- أن القائلين بالتحديد يلزمهم لوازم شنيعة منها: أنه لو وقعت شعرة من ميتة في قلتين إلا رطلاً -مثلاً- نجسته، ولو وقع رطل من بول في قلتين لم ينجسه، ومعلوم أن تأثر الماء بهذه النجاسة أضعاف تأثره بالشعرة، فمحال أن يجيء الشرع بتنجس الأول وطهارة الثاني.

من هذه النقاط يتبين أن ابن القيم يذهب إلى أن النظر لا بد أن يكون لنوع النجاسة وكميتها مع كمية الماء ونوعه. (١)

-قلت: وهذا الذي أراه صواباً، فإن النبي -صلى اله عليه وسلم- أمر بإراقة الإناء من ولوغ الكلب، لأن ولوغ الكلب يؤثر في هذه الكمية من الماء، بينما أباح استعمال الماء في الفلاة ترده الكلاب والسباع إذا بلغ قلتين، ليس لأجل أن القلتين تحمل جميع أنواع الخبث وكمياته ولكن لأنها تحمل ولوغ الكلاب والسباع لقلته، فماذا يؤثر ولوغ كلب في قلتين من الماء؟ .

وليس إباحة الوضوء من بئر بضاعة مع وجود النجاسة فيها لأجل أنها بلغت قلتين، فلا دليل على أنها قلتان، ولكن لأجل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أن كمية الماء الموجودة في البئر لا تتأثر بهذه النجاسة ولو كانت تتأثر لمنع من ذلك وهذا يدل عليه الإجماع.

أما النهي عن البول في الماء الراكد فإنه من حكمة الشارع، حيث تفضي الإباحة إلى تهاون الناس في ذلك، وبالتالي قد تغلب النجاسة الكثيرة القائمة في البول في الماء الراكد وإن كان كثيراً، وأما الجاري فإنه لم ينه عن البول فيه لتجدده فلا يمكن أن تجتمع فيه أبوال الناس لتغلبه، بل يغلبها بجريانه.

والله أعلم.


(١) ينظر تهذيب معالم السنن ١/٥٦- ٧٤

<<  <   >  >>