" قد يجوز أن يكون ما أمر به من الوضوء في الآثار الأول هو وضوء الصلاة، ويجوز أن يكون هو غسل اليد لا وضوء الصلاة، إلا أنه قد ثبت عنه بما رويناه أنه توضأ، وأنه لم يتوضأ، فأردنا أن نعلم ما الآخر من ذلك.
فإذا ابن أبي داود وأبو أمية وأبو زرعة الدمشقي قد حدثونا، قالوا: حدثنا علي ابن عباس قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" (١) .
ثم ذكر ذلك من فعل أبي هريرة –رضي الله عنه، ثم قال:"فثبت بما ذكرنا أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما غيرت النار، وأن ما خالف ذلك فقد نسخ بالفعل الثاني.
هذا إن كان ما أمر به من الوضوء يريد وضوء الصلاة، وإن كان لا يريد وضوء الصلاة فلم يثبت بالحديث الأول أن أكل ما غيرت النار حدث.
فثبت بما ذكرنا بتصحيح هذه الآثار أن أكل ما مست النار ليس بحدث.
وقد روى ذلك جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً".
وذكر بأسانيده إلى جابر، وأبي بكر الصديق، وعمر، وابن مسعود، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، وأبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين.
قال أبو جعفر: فهؤلاء الجلة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرون في أكل ما غيرت النار وضوءاً.
وقد روي عن آخرين منهم مثل ذلك، ممن قد روي عنه عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بالوضوء مما غيرت النار.
ثم ساق بأسانيده إلى عدد من الصحابة ما يثبت ذلك منهم أنس بن مالك، وأبو طلحة، وأبي، وأبو أيوب الأنصاري، رضوان الله عليهم أجمعين.
(١) وهذا سند رجاله ثقات غير علي بن عباس فإن كان هو علي بن عبد الله ابن عباس، فهو ثقة عابد، وإن كان علي بن عابس فهو ضعيف، وقد ترجم لهما السند هي في كشف الأستار عن رجال معاني الآثار ص ٧٧، والحديث صححه النووي في شرح مسلم ٤/٤٣.