والمخالفون اعتذروا عن هذا الحديث بأن الإجازة في القتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه، وإنما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر في الخمس عشرة؛ لأنه رآه مطيقا للقتال، ولم يكن مطيقا له قبله، لا لأنه أدار الحكم على البلوغ وعدمه.
ولعمري! إن هذا العذر يلوح ولكن يرده أن جماعة مع ابن عمر اتفق لهم ذلك وأسنانهم متساوية، وكان فيمن رد من يتشرف للقتال ويظهر من نفسه الجلادة والقوة، وذكر ابن عمر السن في المقامين دليل على أنه فهم أن ذلك منوط بالسن، ويعضد ذلك بفهم عمر بن عبد العزيز ومن وافقه، والأمر فيه محتمل، وأمر عمر بن عبد العزيز بجعل من دون خمس عشرة في الذرية ظاهر لما قدمناه من البحث في الوجه الثالث عشر، وكذلك ينسحب حكم عدم البلوغ على ما قبل تمامها بالبحث المذكور، لا ريبة فيه عندي، فلا بلوغ قبل استكمال خمس عشرة سنة بغير احتلام، وإنما النظر في البلوغ بتمامها، والإجازة في القتال لا تدل على البلوغ؛ لأن الصبي القادر على القتال يجوز له الحضور وإن لم يجب عليه.
وقد ذكر الرافعي في هذا الحديث زيادة، وهي قول ابن عمر في المرة الأول: ولم يرني بلغت، وفي الخندق رآني قد بلغت. وهذه الزيادة إن صحت كافية في الاستدلال مع إمكان أن يحملها الخصم على بلوغ القتال، ولكن الظاهر خلافه، وبعض هذه الزيادة رواة البيهقي، وهو قول ابن عمر عن يوم أحد: ولم يرني بلغت. رواه ابن جريج، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. وفي رواية جماعة، عن عبيد الله: فاستصغرني.