{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء: ٤٤]، فاقشعرت شواته واصفر لونه ومال إلى الإسلام، وظننت بل لم أشك أن الذي أوقع ذلك في قلبه ما نويته، فإن الكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب، وإذا خرج عن اللسان لم يجاوز الآذان، ولا أدري بعد ذلك ما حال الرجل؛ أدخل في الإسلام؛ أم أقام على كفره.
وقد طعن هؤلاء على القرآن، واتبعوا متشابهه بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر في اللغة مدخول، ونسبوا شيئًا منه بخيالهم إلى اللحن، وإلى التناقض، وإلى الاستحالة، وإلى سوء النظم، وقد قابلت ذلك بالاحتجاج عليهم فيه، وتبيين المخارج منه في كتابي المؤلف في:«تأويل المشكل من القرآن»، وكتابي:«المنسوب إلى المسائل»، وطال أن أعيد ذلك في هذا الكتاب، ورأيته يخرجه عن فنه، فاقتصرت من جملته على حروف يسيرة معدودة، تدلك على غلطهم، وسوء أفهامهم، وكرهت أن ينطوي ذلك كله عنك؛ فيتعلق قلبك؛ إلى أن يتيسر لك النظر في ذينك الكتابين.
وكلام العرب وحي وإيماء وإيجاز، فمنه محذوف للاختصار، ومزيد فيه للتوكيد، ومكرر للإفهام، ومستعار ومقلوب، وعام يراد به خاص، وخاص يراد به عام، وواحد يراد به جميع، وجميع يراد به واحد واثنان، ودعاء لا يراد به الوقوع، وجزاء عن الفعل بمثل لفظه؛ والمعنيان مختلفان، وماض من الفعل؛ يكون لمستقبل الزمان، ومستقبل يكون لماضي الزمان، ومفعول على لفظ الفاعل، وفاعل على لفظ المفعول، ولفظان مختلفان والمعنى واحد، ولفظان متفقان ومعناهما مختلف، ولفظان متقاربان ومعناهما مختلف.