للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لغوية، فحين نقرأ مثلًا: "وجرى نحو الباب وهو يلهث، ودفعه في عنف، ولكن قواه كانت قد خارت، فسقط خلف الباب من الإعياء" نلاحظ هذه الأفعال: جرى، يلهث، دفع، خار، سقط، فهذه الأفعال هي التي تكون في أذهاننا جزئيات الواقعة، ولكن السرد الفني لا يكتفي عادة بالأفعال كما يحدث في كتابة التاريخ، بل نلاحظ دائمًا أن السرد الفني يستخدم العنصر النفسي الذي يصور به هذه الأفعال "وهو يلهث، في عنف، من الإعياء, في المثال السابق". وهذا من شأنه أن يكسب السرد حيوية، ويجعله لذلك فنيًّا.

وبينما يرتبط المؤلف المسرحي بطريقة واحدة لكي يحكي قصته -وهي السرد الذي يتمثل من خلال الحوار الذي يجري بين الشخصيات- فإن لكاتب القصة أن يختار واحدة من ثلاث طرائق: الطريقة المباشرة أو الملحمية epic، وطريقة السرد الذاتي autobiography وطريقة الوثائق. والطريقة الأولى مألوفة أكثر من غيرها، وفيها يكون الكاتب مؤرخًا يسرد من الخارج, وهو في الطريقة الثانية يكتب على لسان المتكلم، وبذلك يجعل من نفسه وأحد شخوص القصة شخصية واحدة, وهو بذلك يقدم ترجمة ذاتية خيالية. وفي الطريقة الثالثة تتحقق القصة عن طريق الخطابات أو اليوميات أو الحكايات والوثائق المختلفة، ومن الواضح أن لكل من هذه الطرائق الثلاث مزاياها لخاصة؛ لأنه في حين تفسح الطريقة المباشرة دائمًا أبعد المدى، وتعطي أكثر قدر من حرية الحركة، فإنه يمكن الحصول على متعة أعظم وأقرب إلى النفس عن طريق استخدام طريقة المتكلم أو طريقة الوثائق١.

٣- البناء:

لقد عرفنا أن الكاتب يختار وقائع بذاتها، يؤلف بينها، ويكون منها البناء الكامل للحادثة.

وهناك صور عدة لبناء الحادثة القصصية بناء فنيًّا, ويمكن أن يقال: إن كل قصة لها صورة بنائية خاصة بها، ومع ذلك فقد أمكن ضبط مجموعة من الصور البنائية العامة.

وهناك -صور بصفة عامة- صورتان لبناء الحبكة القصصية هما: الصورة الانتقائية والصورة العضوية organic. وفي الصورة الأولى لا تكون بين الوقائع علاقة كبيرة ضرورية أو منتظمة, وعندئذ تعتمد وحدة السرد على شخصية البطل الذي يربط -بوصفه النواة الشخصية المركزية- بين العناصر المتفرقة. وقصص المغامرات بعامة تمثل


١ انظر: Hudson: An Intoduction to the Study of Literature., pp. ١٩٧٨.

<<  <   >  >>