وقبل أن نمضي في بحث ذلك ينبغي الالتفات إلى بدهية تؤكد لنا ما بين المسرحية والمسرح من علاقة. فحين نسأل المؤلف -كما يريد أشبنجارن- ماذا صنع؟ ويقول: إنني صنعت مسرحية، فإنه يعني في هذه الحالة أنه لم يكتب قصة أو قصيدة أو ملحمة. بعبارة أخرى فإنه لم يعتبر فيما صنع الأصول الفنية العامة للقصة أو القصيدة أو الملحمة، بل قيد نفسه بأصول أخرى، أو لنقل: بإطار فني آخر هو الإطار المسرحي. وإذا نحن نظرنا إلى الإطار وجدنا اعتبارات خاصة بالمسرح ذاته لها أثرها في توجيه الكاتب, من ذلك الزمان وإمكانيات المكان، فالكاتب -في العصور الحديثة على الأقل- أصبح مقيدًا بسويعات محددة في المسرح لعرض مسرحيته لا يستطيع أن يتجاوزها. وهذا الزمن المحدد كان له أثره في بناء المسرحية ولا شك؛ لأنه يريد في خلال هذه المدة المحدودة أن يعرض أشياء كثيرة، وهذا الحد الزمني له أثره في أنه سيستبعد بعض الأشياء اعتمادًا على أن بنية المسرحية تستطيع أن تستغني عنها, وهذا معناه أن البنية لا بد أن تكون مركبة تركيبًا خاصًّا. ومن هنا وصلنا إلى وضع حد لفصول المسرحية، في الوقت الذي تركنا فيه فصول القصة مثلا دون تحديد. هناك المسرحية ذات الفصل الواحد، ولكن هذا النوع ليس ما نتحدث عنه هنا، كما أننا لا نعني القصة القصيرة، ولكن المسرحية التي نعنيها هي المسرحية ذات الفصول، وقد أصبح من المتواضع عليه ألا يقل عدد هذه الفصول عن ثلاثة١ وألا يزيد على خمسة، وفي حدود هذا العدد من الفصول ينسق المؤلف بناء مسرحيته، فإذا كانت ذات فصول ثلاثة فإنه يجعل الأول منها لعرض الشخصيات
١ ضمن موجات التجديد المعاصرة ظهرت مسرحيات كثيرة من فصلين.