وهنا يلزمنا العودة مرة أخرى للتفريق الذي بدأنا به هذا الفصل بين "الانفعال" و"الفكرة" من حيث اتصال الانفعال بالشعر والفكرة بالنثر، فالواقع أن الصورة الشعرية قد تنقل إلينا انفعال الشاعر "تجربته الشعورية"، ولكنها كذلك قد تنقل إلينا الفكرة التي "انفعل" بها الشاعر، وليست الصورة التي يكوِّنها خيال الشاعر إلا وسيلة من وسائله في استخدام اللغة على نحو يضمن به انتقال مشاعره "انفعالاته وأفكاره" إلينا على نحو مؤثر. ولما كانت الصورة دائمًا تعتمد على الألفاظ الحسية "معروف أن ألفاظ اللغة إما حسية كلفظ "كتاب" وإما معنوية أو تجريدية كلفظ "إنسانية""، سواء ما يدل منها على الأشياء أو الأوصاف "كما تقول: حلو، بارد، أخضر ... إلخ"، فإنها لذلك كانت أقرب شيء إلى إدراكنا. والصورة كما تكون مجموعة من الألفاظ تكون لفظًا واحدًا, والشاعر -في بحثه وتركيبه للصورة- يستخدم اللفظ المفرد كما يستخدم المجموعة من الألفاظ، وبذلك يمكننا أن نقول: إن القصيدة مجموعة من الصور.
وينبغي أن نقف هناك قليلا لندرس بشيء من التحليل "الصورة الشعرية"؛ لأنها في الحقيقة هي أداة الشاعر؛ ولأن لها فلسفة قديمة وأخرى حديثة، ينبغي أن نتبين ما بينهما من فروق؛ لأنه على أساس هذه الفروق يكون النظر إلى الشعر القديم والشعر الحديث، والحكم عليهما.