على أن هناك نوعًا من الكتابة المسرحية ينزع نزعة فلسفية تأملية, وعندئذ يكون من الصعب فهم المسرحية ممثلة، ويكون من الأجدى قراءتها. وهذا هو النوع الذي يتفق ووجهة نظر أرسطو في أن المسرحية يمكن أن تقوم بغير تمثيل ولا ممثلين. وفي هذه الحال ما زال الحوار يلعب دورًا خطيرًا. إن المسرحية المقروءة تفقد القارئ فرصة مشاهدة الحادثة "تقع"، أي: الحركة, والحركة هي العنصر الثالث الجوهري في العمل المسرحي، وهو يتعاون مع العنصرين السابقين "الحوار والصراع" ولا يقل عنهما أهمية. ويمكن أن يقال: إننا حين نقرأ المسرحية إنما نستغني عن عنصر فني مهم هو الحركة. وهذا صحيح إلى حد ما؛ ذلك أن الحركة تتمثل في أذهاننا من خلال اللغة، ومن خلال الحوار، فالحركة على خشبة المسرح حركة عضوية وذهنية في وقت معًا, وهي في المسرحية المقروءة حركة ذهنية فحسب, وقد سبق شرح ذلك في عنصر "السرد" في الفصل السابق. ومعنى هذا أننا في المسرحية المقروءة نفتقد حيوية الحركة العضوية التي يقوم بها الممثلون ونستعيض عنها بحركة ذهنية تتمثل لنا من خلال الحوار المكتوب, وهذا يقتضي بالضرورة حيوية ذلك الحوار.
والحيوية في الحوار تتحقق بما يصاحب الأداء من حركة عضوية، أو القراءة من حركة ذهنية، وكذلك حين يرتبط الحوار بالشخصيات فيدل عليها من حيث وضعها الاجتماعي، ومستواها الفكري والخلقي، ومثلها في الحياة. فالحوار قبل كل شيء لغة الأشخاص أنفسهم، أو هو لغة المؤلف التي كان من الممكن أن تتحدث بها الشخصيات بذاتها. ومن حديث الشخص نستطيع أن نعرف عنه كل شيء.