والمشكلة، والثاني للأزمة، والثالث للحل والنهاية، وإذا كانت من فصول أربعة فإنه يعرض الشخصيات وبداية خيوط المشكلة في الأول، ثم يمضي بأطراف تلك الخيوط ينسج منها المشكلة كاملة في الثاني، ثم الثالث، فالرابع. وعلى كل حال, فإن هذا التقسيم الشكلي الواضح في الإطار المسرحي لم يفرضه -فيما يبدو لي- سوى تقيد المؤلف بزمن محدد. إن "شاعر الربابة" عندنا لم يحتج إلى أن يقص قصة أبي زيد الهلالي في فصول محددة العدد كهذه؛ لأن المتفرجين والمستمعين في المكان الذي يجتمعون فيه لا تحدهم حدود، وهم يستطيعون أن يسهروا معه حتى مطلع الفجر.
فالارتباط إذن بزمن معين لعرض المسرحية على الجمهور في المسرح كان له أثره في توجيه البناء الفني للمسرحية ذاتها. وإذا لم ترتبط المسرحية بهذا الزمن المحدد لما كان هناك ما يدعو إلى تحديد هذه الفصول -كما ينتهي إلى ذلك كلارك- فما الذي ما يزال يقيد المؤلف المسرحي بهذه الحدود البنائية في مسرحية تقرأ, أو يستمتع بقراءتها؟
وكما كان لحدود المسرح الزمنية أثرها فكذلك كان لإمكاناته المكانية -من ناحية أخرى- أثرها في اختيار المواقف والأحداث. فخشبة المسرح لا تتسع مثلا لجيشين متحاربين، وعندئذ يضطر المؤلف المسرحي إلى إدارة المعركة خلف الأستار، ولا يظهر أمام الناس إلا ما يدل على النتيجة، وكذلك هناك أحداث ليس من السهل على الممثل أداؤها أمام المتفرجين، فأوديب مثلا لا يفقأ عينيه أمام المتفرجين، ولكنه يدخل إلى المسرح متخبطًا في مشيته, والدم يسيل من عينيه.
فارتباط المسرحية بإطار فني خاص أثر من آثار ارتباط المؤلف المسرحي ذاته, هذه هي البدهية. وقد يضاف إلى ذلك أن تصور المؤلف للمسرح الذي ستمثل فيه المسرحية، وخصائص هذا المسرح بالذات، البنائية وغير البنائية، له أثر في دقائق التأليف ذاته. ولا شك أن المسرحية الإغريقية كانت أنسب مسرحية لشكل المسرح القديم الذي كان معدا في الهواء الطلق، والذي كان يتسع لعدد يتراوح بين ثلاثين وأربعين ألفًا. أما في العصور الحديثة فقد تغير شكل المسرحية تغيرًا جوهريًّا، وأصبح العرض المسرحي لا يشهده سوى ألف أو أقل قليلا. وهذه التغييرات المكانية لها اعتبارها عند المؤلف ذاته, فتصوره للمكان له اعتباره عندما يمضي في عملية بناء المسرحية. وهذا يؤكد مرة أخرى تلك البدهية السابقة. وقد كفانا عرض هذه البدهية مئونة بحث العلاقة بين المسرحية والمسرح ذاته.