ونحن حين نفحص الفن القصصي نجد أنه يتضمن أحداثًا جزئية كثيرة، وخبرات متنوعة، هي في الحقيقة المادة التي تكون منها هذا العمل. والحق أن الكاتب القصصي يستغل في عمله هذه المادة التي توفر عليها، فهو في حياته قد اصطدم بكثير من المشكلات التي نجح -أو أخفق- في حلها، وهو في ذلك قد اتصل بعدد لا حصر له من الناس، وتفاعل مع كثير منهم، وهو في كل لحظة يعاصر مجموعة من الحوادث أو الأفعال التي لا يمكن أن توجد الحياة بدونها، في البيت وفي الطريق وفي العمل وفي النادي. ولا شك أن كل هذه الأشياء تصادف كل إنسان غيره، فليس هو وحده الذي يعيش بين الناس، ولكن لم يحدث أن أصبح جميع الناس كتاب قصة. حقا إن كل إنسان يستطيع أن يحكي لك حكاية أو يقص عليك حادثة شاهدها أو وقعت له، أعني أن الاستعداد القصصي خاصة إنسانية يشترك فيها جميع الناس، ولكن كاتب القصة يختلف عن كل إنسان في أنه ينظر إلى الأشياء الواقعة نظرة خاصة. فهو لا يقف منها عند السطح، ولكنه يتعمقها ويفرز عليها من أفكاره وخياله، ويجعل لها تكوينًا آخر وفلسفة أخرى، ثم هو يختزن كل ذلك في نفسه ليستغله في يوم من الأيام، وهو حين يعود إلى نفسه لكي يستمد من ذلك المخزون فإنه لا يستمد منه اعتباطًا، ولكنه يستمد منه ما له أهمية خاصة؛ لذلك كانت مادة العمل القصصي الناجح دائمًا مادة لها هذه الصفة، أعني صفة الأهمية. ولا تأتي أهمية هذه المادة من أهمية الحادث مثلا، أو أهمية التاريخ؛ لأن الحادثة في ذاتها مهما كانت أهميتها الخاصة لا تكفي لإخراج عمل قصصي ناجح، وإلا كان من السهل على كل إنسان أن يختار الحوادث الكبرى ليتخذ منها مادة قصصية. الحق أنه ليس كل القصص التي تتناول الحوادث الكبرى ذات قيمة أدبية، ولكن القيمة تأتي من أن الكاتب قد تعمق هذه الحادثة، ونظر إليها من جوانبها المتعددة. وبعبارة مجملة نقول: قد أكسبها قيمة إنسانية خاصة؛ ولذلك قد تكون الحادثة