وحتى الآن نكون قد تحدثنا عن مادة العمل الشعري وأدواته، ولكننا لا نستطيع بذلك أن نقول: إننا تحدثنا عن كل خصائص العمل الشعري, والواقع أننا نريد أن نقتصر في الحديث النظري على ما هو جوهري ومشترك في الأعمال الشعرية. فالشعر، كما هو معروف، اسم جنس يندرج تحته أنواع شعرية كثيرة يختلف بعضها عن بعض. وهذا الاختلاف من شأنه أن يجعل لكل نوع صفات خاصة ينبغي أن تتوافر فيه ولا تكون شرطًا في غيره؛ ولذلك نرى أنه مما يكمل نظرية الشعر هنا أن نتعرف -في استعراض سريع- الأنواع الشعرية المختلفة، وما لكل نوع من خصائص مميزة.
وطبيعي أن نتساءل هنا عن السبب في أن يتنوع الشعر أنواعًا في حين أنه هو في ذاته ليس إلا طريقة من طرق التعبير التي صاحبت حياة الإنسان. والواقع أن الإنسان في بحث دائم عن طريقة جديدة للتعبير كلما تجددت الحياة وتطورت، وظهرت ألوان حضارية جديدة. ولم يكف الإنسان -ولن يكف- عن البحث عن الطريقة الجديدة دائمًا للتعبير.
على أن السعي وراء هذه الطريقة مرتبط بنظرية تنظمه، فالشعر ينظر إليه -بدءًا- على أنه ينقسم قسمين كبيرين تبعًا لموقف الشاعر. فإذا تناول الشاعر المادة الخام لموضوعه تناولا موضوعيا -أي من حيث هي قائمة خارج شخصيته الخاصة ومستقلة عنها- فإن الشعر قد يكون قصصيا أو وصفيا، فإذا تناولها ذاتيا، أي: من حيث هي -بصفة أولية- تجربة شخصية، فإن الشعر يكون غنائيا. والشعر المسرحي يجمع بين هذين المنحيين، فهو موضوعي بالنسبة للشاعر، ولكنه يعرض المادة عرضًا ذاتيًّا من خلال شخصيات خيالية.
ولن نتكلم هنا عن الشعر الموضوعي؛ لأننا سنتحدث عن ذلك في الفصل الخاص بفن المسرحية, فهو -فيما نرى- أنسب مكان لهذا.
أما الشعر القصصي فهو أثر من آثار العصور المتقدمة، وقد قل كثيرًا -إن لم نقل: إنه تلاشى- في العصور الحديثة. وربما كان السبب في قلته هذه أن القصص وجد أسلوب النثر أكثر طواعية وملاءمة، وبذلك اضمحل القصص الشعري أمام القصص النثري في العصر الحديث.
وقد انقسم العشر القديم قسمين هما:
الشعر الملحمي epic poetry.
وشعر القصة الشعبية ballad.
وأما الشعر الغنائي lyric -وهو يمثل الشعر الذاتي- فهو مرتبط في الأصل بالغناء والموسيقى والعاطفة. ولكن هذا النوع تطور مع التطور الطبيعي للحضارة، ودخل