للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له قد فرحت به، وغفرت له قسوته إزاء قبله الطينية التي سكبها في كل مكان منها. وبذلك تنجح الصورة في أن تنقل إلينا شعور الشاعرة، كما تصور لنا موقفها النفسي، ثم هي لا تنقصها الحركة والحياة؛ لأنها مشتقة من الحياة.

وقد حققت الصورة هنا في خمسة أسطر, وقد تتحقق في أكثر أو أقل، ولكنها ترتبط دائمًا بما قبلها وما بعدها من صور برباط حيوي، حتى تكون القصيدة مجموعة من الصور الجزئية المترابطة، التي تكون في مجموعها مشهدًا عامًّا متحركًا. وسندرس فيما بعد نموذجًا من الشعر الجديد, ونكتفي هنا في مجال الحديث عن الصورة الشعرية كما تتمثل في الشعر الحديث بأن نقرر أنها "رؤية" ولكنها ليست رؤية حالمة. إنها رؤية واعية تلتقط وتسجل وتختار وتركب وتكون مشهدًا كاملًا, وهذه الظاهرة أكثر ما تكون وضوحًا عند اثنين من الشعراء السودانيين هما تاج السر الحسن، وجيلي عبد الرحمن، وكدت أضم إليهما محيي الدين فارس لولا أن صوره في أغلبها "غائمة" من نوع صور الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل. يقول جيلي في قصيدة بعنوان "مولد":

كنا ندور ...

كالنحل نخطر، كالزهور

على الحصير..

والراية السوداء تصبغ لحية الشيخ الوقور

و"الله حي" في الصدور

الله نور، فوق نور

كنا ندور

مدد لأصحاب النذور

مدد على طول الدهور

كنا ندور

وعمامة خضراء، ترقص

والطبول

ولد الرسول

وأشرقت شمس القبول

وتفح أصوات الكهول

........

وزغردت بعض النساء

ورف في القلب السرور

<<  <   >  >>