للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين نبحث عن مصدر إعجابنا بقصة قرأناها سنجد أن فكرتها كان لها أثر في هذا الإعجاب. ولكن هل نحن نقرأ العمل الفني لفكرته فحسب!! إن القصة صورة للحياة، ونحن نعرف الحياة معرفة جيدة وننتظر من القصة دائمًا أن تكون صادقة، حية، مقنعة، كالحياة الواقعة. ولكن القصة تمتاز بأن لها صورة فنية خاصة، فالكاتب يقدم إلينا قصة -وقصة بالذات- حين يقدم إلينا فكرة. وهنا تحدث مفارقات غريبة، فقد تكون القصة ناجحة من حيث الإطار الفني, ولكنها تنطوي على فكرة لا تروقنا. وهناك أيضًا قصص ممتلئة بالحياة، ومع ذلك تفقد الشكل الفني. وأوضح مثال لذلك قصة تولستوي١ الشهيرة "الحرب والسلام"، فنحن نعجب بها برغم افتقارها إلى الوضوح الشكلي. يقول عنها "لبوك": "إن عمل القصاص أن يخلق الحياة، والحياة هنا قد خلقت بلا جدال، والذي ينقص هو الرضا الناتج عن الصورة السوية المتماسكة. وكان من الخير وجودها، هذا كل ما في الأمر، ولكننا قد حصلنا على قصة رائعة بدونها"٢.

ومعنى هذا أن مصدر إعجابنا لا يمكن دائمًا أن يحدد بقاعدة؛ لأننا في كل قصة ينكشف لنا شيء جديد, ولكن المؤكد أن القصة -ككل عمل فني- لا يتحدد لها شكل حتى تتحقق فيها فكرة الكاتب, فتحقق الفكرة يفترض بالضرورة وجود شكل. لتكن فكرة الكاتب في موضوع كموضوع الخيانة الزوجية مثلا أن الزوج هو المسئول عن خيانة زوجته إياه. فهو لكي يحقق هذه الفكرة يبني قصته على النحو الذي يحققها, فإذا نحن أعجبنا بفكرة القصة فإننا نكون في الوقت نفسه قد أعجبنا بالصورة التي أديت فيها هذه الفكرة, وأي خلل في هذه الصورة سيكون له أثره في الفكرة. وبعبارة أخرى فإن فكرة أي قصة تتحقق بتحقق القصة ذاتها.

وكما أن هناك أنواعًا من القصة تعنى عناية خاصة بالحادثة أو بالشخصية، فهناك القصة التي تهتم اهتمامًا أكبر بالفكرة، ويقل الاهتمام فيها بالتشخيص وبالسرد. ومعنى هذا أن الشخصيات تتصرف وفقًا لفكرة الكاتب لا تبعًا لتكوينها الخاص, وبذلك قد تكون تصرفاتها منطقية، ولكنها برغم ذلك لا تكون مؤثرة؛ لأنها فقدت حريتها أمام التوجيه الخاص الذي يوجهها به المؤلف، ففي قصة الفكرة يغلب الجانب المنطقي جانب الضرورة، ويقل جانب الحرية، ولا تتساوى أهمية المنطقية والتلقائية، أو لنقل: الضرورة والحرية، إلا في نوع خاص من القصة يسمى "القصة الدرامية"، ففيها تتصرف


١ الكونت ليو تولستوي Count Leo Tolstoly روائي روسي، أشهر آثاره: "الحرب والسلام" war and peace "١٨٢٨-١٩١٠".
٢ Percy Lubbok: The Craft of Fiction., Traveller's Libr., ١٩٢٦, p. ٤٠.

<<  <   >  >>