للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كانت خاصية اللغة التي يستخدمها العالم في شرح نظرية هي نقل الدلالة العامة التي يتحد جميع الناس في كل زمان ومكان في معرفتها حتى لقد يستخدم العالم الرموز الإشارية لنقل هذه الدلالات، وكانت خاصية اللغة التي تستخدم لأغراض الحياة اليومية هي أنها محلية تتخذ وسيلة لقضاء الأمور المعيشية، فإن خاصية اللغة -حين تستخدم استخدامًا أدبيًّا- هي أنها إيحائية، فهي"لا تكتفي بأن تقرر وتعبر عما تقول، ولكنها كذلك تهدف إلى التأثير في اتجاه القارئ وإقناعه، وتغييره تغييرًا تامًّا"١.

إمكانية اللغة:

إن لكل لغة إمكاناتها، وليس العمل الأدبي إلا بناءً لغويًّا يستغل أكبر قدر ممكن من هذه الإمكانات. ولكن هذا البناء لا تأخذ صورته شكلا طبيعيا، "فهي ليست تخطيطا هندسيا أو شكليا، ولكنها أقرب إلى أن تكون -كما هو الشأن في الموسيقى- تطورًا ناميًا لموضوع. فالأدب إذن -كالموسيقى والمسرحية الممثلة- فن حيوي، بمعنى أنه حركة تحدث نتيجة لقوة"٢.

معنى هذا أن الأدب يستخدم أداة تعبيرية من نوع خاص، يتحقق فيها إمكانات الموسيقى من جهة، كما أنه يتبع في تكوينه نظاما تشكيليا خاصا بها. ولكن الأدب -بعد كل هذا، أو قبله- ليس موسيقى وليس نحتًا, فالأديب الذي يخيل إليه أنه يستطيع في عمله أن يخلق بناء موسيقيا إنما هو أديب واهم؛ لأن "الموسيقى فن هائل قائم بذاته، وإمكاناته الخاصة تقع نهائيا وراء مدى اللغة المتكلمة"٣. وكذلك الأدباء الذين يظنون أنهم يستطيعون أداء مهمة الفن التشكيلي في اللغة قد جرهم سوء الفهم إلى أن يحاكوا الفنانين، سواء باهتمامهم بالتفصيلات التي تقع عليها العين، أو بوصف أعمال من الفن التشكيلي.

والحق أن العمل الأدبي من حيث هو بناء لغوي يتضمن إمكانات موسيقية وأخرى تشكيلية، ولكن هذه الإمكانات في اللغة تعدو وسيلة لا غاية. قد يستفيد الأديب من الإيقاع والتجانس الصوتي وغيره من الزخارف الصوتية التي يستطيع تحقيقها في عمله الأدبي، ولكن يوم تصبح هذه الأشياء هي كل مهمته فعندئذ لا يمكن أن يقال: إنه قد أنتج أدبًا؛ لأن الأدب شيء غير الموسيقى. ويستفيد الأديب بلا شك من الصور الحسية


١ Wellek & Warren المرجع نفسه ص١٢.
٢ Starr، نفس المرجع ص١٨.
٣ J. Middleton Murry: The Problem of Style., Oxford Univ. London ١٩٣٠, p. ٨٧.

<<  <   >  >>