للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسرحية "غروب الأندلس" دراسة تطبيقية:

وفيما يلي دراسة ونقد لمسرحية تمثل النوع الأول. أما المسرحية فهي "غروب الأندلس"، وأما المؤلف فهو الشاعر عزيز أباظة, وتمثل له في هذا الموسم بدار الأوبرا مسرحية كتبها أخيرًا عن "شهريار"١.

ومسرحية "غروب الأندلس" مسرحية تاريخية تستمد حوادثها ووقائعها من التاريخ, وكذلك كانت شخصياتها هي الشخصيات التي ارتبطت بهذه الفترة التاريخية، وهي كما نعلم الفترة التي انتهى فيها حكم العرب لإسبانيا بعد أن كان حكمًا عريضًا وملكًا واسعًا، وانقسم العرب في إسبانيا إلى طوائف واستقلت كل طائفة بجهة من الجهات، وأقامت لها فيها إمارة، وأخذ الأمراء يتنافسون ويحاربون بعضهم بعضًا فأضعفت الفرقة من شوكتهم، وأتاحت الفرصة للإسبان أن يقووا وأن يحملوا على ملك العرب ليعيدوه مرة أخرى إلى حوزتهم, ويردوا هؤلاء الغزاة. والمسرحية تصور لنا انهيار الحكم في غرناطة، وهي أكبر إمارة في ذلك العهد. وقد حاول الكاتب أن يجعل مسرحيته صورة لحياة الأمم في الفترة التي يؤذن الحكم فيها بالانهيار، وهي الفترة التي يستبد فيها الحاكم وينصرف إلى ملاهيه وملذاته، ويترك القيادة إلى الضعفاء أو النساء يصرفن الأمور كيف شئن، هذا فضلا عن إهمال هؤلاء الحكام العابثين حقوق الشعب, والعمل على رفاهيته وقوته. وهناك عوامل كثيرة في الواقع تتدخل في انهيار الأمم وتكون سببًا مباشرًا لما يجتاحها من ثورات، أو تنتهي إليها حياتها من انحلال واضمحلال. وقد كانت مصر في ذلك الوقت الذي كتب فيه المؤلف مسرحيته تعاني كثيرًا من الأزمات التي مصدرها عبث الحاكم واختلاف آراء الناس وتفرقهم شيعًا وأحزابًا، إلى غير ذلك من العوامل التي كانت سببًا في انتكاس الحياة المصرية في ذلك العهد، وقد لمس الكاتب شبهًا بين ظروف الحياة في مصر في ذلك العهد وبين تلك الأحداث المريرة التي مرت بها إمارة غرناطة في تلك الفترة التاريخية التي صورها لنا، ومعنى ذلك أن المسرحية لم تأخذ على عاتقها مجرد السرد التاريخي لواقعة أو وقائع لها طرافتها، ولكنها -إلى جانب ذلك- كانت تحمل مضمونًا اجتماعيًّا هو ذلك الذي تمثل في تصوير مساوئ الحياة في مصر ومفاسدها في الوقت الذي كتبت فيه المسرحية، وهو من وراء ذلك يوجه الإنذار ويلفت الأنظار إلى أن تلك الحياة كانت كفيلة -وإن صبرنا عليها- بأن تنتهي بنا إلى ما انتهت إليه الحياة في غرناطة في ذلك العهد.

ويحس قارئ المسرحية بصفة خاصة أن المؤلف كان يلحّ إلحاحًا شديدًا على إبراز جوانب الحياة الفاسدة في المجتمع المصري، بل يحس أنه إنما كان يتحدث في كل لحظة


١ يلاحظ أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب ظهرت في ديسمبر ١٩٥٥م.

<<  <   >  >>