للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكن له أول الأمر علاقة مباشرة بالأدب. وهو وإن كان حقا لم ينتج أدبًا من الطراز الأول، فإنه لولا هذه الحركة لما كان من الممكن أن تكتب الأعمال الفنية الكلاسيكية الرائعة.

وفي القرن الثامن عشر نجد نزعة فلسفية واضحة تمتد لا لتجرف الأدب في تيارها، بل تتعدى ذلك إلى البحوث الذوقية الجمالية الصرف. ومنذ أواخر هذا القرن، وفي القرن التاسع عشر، تظهر "الرومانتيكية"١ وتنتشر، وكان بعض النقاد يصفها بأنها "مرض العصر" وهو مرض لم يتأثر به الأدب وحده، بل كان طابعًا عامًّا للعصر كله.

وعلى الإجمال, من الممكن الكلام عن الأدب الكلاسيكي بوصفه أدب العقل، والصنعة الماهرة، وجمال الشكل، واتباع الأصول الفنية القديمة للأدب، وعن الأدب الرومانتيكي بوصفه أدب العاطفة والخيال والتحرر الوجداني، والفرار من الواقع، والتخلص من ربقة الأصول الفنية التقليدية للأدب، والأدب الرومانتيكي يمثل "روح" الثورة، والتمرد، والانطلاق, والحرية.

وقد استمرت الرومانتيكية تحتل الميدان حتى نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، ففي الربع الثالث من هذا القرن ينشط اتجاه آخر هو الاتجاه "الواقعي". وكما كانت الرومانتيكية رد فعل الكلاسيكية، فكذلك كانت "الواقعية"٢ رد فعل الرومانتيكية.

والواقعية هي تصوير الحياة على ما هي عليه, ولكن ليس هذا هو التحديد الدقيق للواقعية من حيث هي مذهب أدبي؛ لأن الواقعية في الحقيقة تؤكد بعامة جانبًا خاصًّا من الحياة، هو أقل الجوانب تمدحًا بالنبل الإنساني. وقد فصل "جورج مارلييه" في بحث ألقاه في المؤتمر الدولي لتاريخ الفن الذي عقد في بروكسل سنة ١٩٣٠ بين الواقعية التي تفهم من حيث هي معاناة حرفية للواقع، والواقعية كما تفهم من حيث هي تصوير لمناظر من الحياة المنحطة٣.

وقد كانت الواقعية تعبيرًا عن ذلك الروح الجديد الذي سيطر على الحياة في ذلك الوقت، وهو "الروح العلمي"، فقد ترك الواقعيون خيالات الرومانتيكيين وأحلامهم، وراحوا يلتمسون الحقيقة في الواقع الملموس، فليس للواقعيين إيمان بعالم علوي فوق المحسوس، ولكنهم يؤمنون بالحقيقة الواقعة، وهذه الحقيقة يمكن الوصول إليها عن طريق التجربة.


١ Romanticism.
٢ Realism.
٣ انظر:
Read H, the Meaning Of Art., Faber, London, ١st. ed. ١٩٣١, pp. ٨١-٣.

<<  <   >  >>