إلينا خدمة كبيرة عندما يتولى عرض ذلك الأدب علينا، فنحن نتوق لأن نقرأ "المعري" في "رسالة الغفران" وفي "سقط الزند" وفي "اللزوميات"، وغير ذلك من إنتاجه الأدبي، ولكننا لا نجد الوقت لذلك؛ لأن هناك عشرات بل مئات من الأدباء غير المعري نتوق لقراءاتهم. وعندئذ يقوم النقد بمهمته التي لا تنكر، وهي أن يعرض لي المعري في كل مؤلفاته، فأعرف عنه ما لم يكن يتسع قوتي لاستنباطه من أدبه حين أطلع عليه جميعه، وكذلك الأمر مع غيره من الكتاب والأدباء، أستطيع أن أعرف عنهم -عن طريق الدراسات النقدية- شيئًا أفضل من أن أظل جاهلا بهم. أليس من الحق أننا نستفيد من خبرات غيرنا، ومن آرائهم، ومن نظراتهم إلى الأشياء، ومن أحكامهم النقدية؟ أليس حقا كذلك أننا نكون في كثير من الحالات في حاجة إلى خبرات غيرنا، وآرائهم، ونظراتهم؟ وهذا ما يجعل عمل الناقد ضرورة، برغم ما يمكن أن يكون له من سوء الأثر في تحيزنا، أو في اكتفائنا من المعرفة بما كان ينبغي أن نعرف أكثر منه، ولكن يخفف من ذلك أن الناقد الحق شخص مسلح بالمعرفة الواسعة، والقدرة الخاصة على النظر والفهم؛ ومن ثم فإنه يلفتنا في الطريق إلى ما نمر عليه دون أي انتباه، ويمدنا دائمًا بوجهة النظر الجديدة، ولسنا ملزمين دائمًا برأي الناقد، فنحن كثيرًا ما نختلف معه كما نتفق معه، وهذا يدل مرة أخرى على أننا نكسب دائمًا من عمل الناقد، على أي صورة كان موقفنا من نقده ورأيه. وسوف نعود بعد قليل إلى ذلك.