للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحاجة إلى التمرد على فهمه. وفي هذه الحالة الأخيرة ما يزال الناقد يساعدك على اتخاذ موقف خاص بك. ولكننا -برغم ذلك- نحب أن نفهم العمل الأدبي مستقلين، أن نحسن فهمه أو نسيء هذا الفهم، ولكن حريتنا في فهمه مع احتمال الخطأ في هذا الفهم لا يعدلها أن نقيد بفهم الناقد ذاته مهما كان هذا الفهم صائبًا، فأفضل لمتذوق الأدب أن يصيب في فهمه مرة ويخطئ مرة؛ لأنه في صوابه وخطئه ستنكشف له المعالم ويتحدد الطريق.

مهما يكن من أمر موقفنا, فإن مهمة الناقد تتضمن عملية تفسير العمل الأدبي، كما تتضمن عرض ما فيه من قيم.

ولكي يكشف الناقد عن قيم للعمل الأدبي لا بد أن تكون له معرفة سابقة بهذا النوع من القيم. وهو يبدأ في تكوين فكرته عن هذه القيم منذ أن يواجه ذلك السؤال الأول الذي لا بد لكل ناقد أن يبدأ فيسأله نفسه: ما مهمة الأدب؟ والناقد البصير في تحديده هذه المهمة سيجد أن الأدب لا يمكن فصله عن الحياة، وهو حين يصدر حكمه على العمل الأدبي دون أن يدخل في حسابه هذه العلاقة الوطيدة فلن يكون لحكمه أثره؛ لأن هذا الحكم أيضًا لا بد أن يستمد قيمته -كما يستمد الأدب قيمته- من صلته بالحياة. "فالناقد هو الحلقة التي تربط بين العمل الأدبي والحياة، وواجبه أن يحدد هذه العلاقة، وطبيعة القيمة الأدبية تعتمد على طبيعة العلاقة بين الفن والحياة في مجموعها، ومحاولة إصدار حكم على الأدب قبل الوصول إلى تصور نهائي بشأن هذه العلاقة لا يمكن أن يكون لها نتيجة مفيدة؛ لأن ذلك معناه تحديد القيمة بقاعدة غير محددة١.


١ Daiches: كتابه السابق ص٨.

<<  <   >  >>