للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكأن المتعة تحدث نتيجة لعملية التخفف التي تتحقق في النشاط اللاشعوري الذي يبذله الفنان, ولو أن النشاط المبذول كان من العقل الواعي لما حدثت اللذة؛ لأن للوعي صفة الصرامة والجد، وأيضًا فإنه لا يستطيع -إزاء الرقابة المبثوثة حوله- أن يكون وسيلة للتنفيس عن الرغبات المكبوتة.

ومن هذا يتبين لنا أن العمل الفني يتم عند الفنان في حالة شعورية، وأنه يكون أكثر قربًا من أعماق نفسه وطوايا صدره إذا هو تم في حالة لاشعورية. وهو في هذه الحالة يؤدي غرضه بالنسبة للفنان في أنه يخفف عنه القدر الزائد عن احتماله، وأيضًا فإنه ينفس عن النزعات الفطرية والرغبات المكبوتة في اللاشعور، لا في صورة أو صور سافرة، بل في رموز تحمل نفس الدلالة، يؤلف بينها في صورة حرة تلقائية.

ولعلنا الآن نستطيع أن نقول مع "بيرت": إنه ليس لنا بعد حاجة إلى التردد في قبول النتيجة المهمة التي انتهى إليها التحليل النفسي، وهو أن أحسن الشعر وأحسن القصص وأبدع الصور، كلها -إلى حد بعيد- إنتاج النشاط اللاشعوري للعقل١. ومن أجل ذلك كان اعتقادنا بأنه من الممكن -إن لم يكن الآن من الواجب- تفسير الأدب على أساس نفسي، وفهمه في هذا الضوء الجديد٢. "ومن الطبيعي أن استخدام نظرية فرويد في الأدب قد حُوول في الغالب بغرض تحليل المؤلف. ومع أن التحليل النفسي قد أضاف بالتأكيد كثيرًا، وما زال في إمكانه أن يضيف أكثر في فهم الفنانين بصفتهم شخصيات، فإن أعظم عمل للنظرية الفرويدية يقدم به دارسو الأدب إنتاجًا طيبًا هو في تفسير الأدب ذاته"٣.

على كل حال نستطيع الآن أن نتكلم عن الأدب باعتباره رمزًا للرغبات المكبوتة في اللاشعور. "ومن الممكن الانتهاء إلى أن العمل الفني إشارة أو رمز يقوم مقام شعور الفنان. وهو بهذا يمكن أن يعد إشارة رمزية بالنسبة للفنان نفسه، الذي يصير -بعد أن يتم العمل الفني- فردًا متذوقًَا مستمتعًا أكثر منه مبدعًا. ولأن الموضوع عندما يتم، ينفصل عن الفنان، فإنه ليست هناك عقبة واحدة تمنع من القول بأنه إذا كان رمزًا بالنسبة للفنان فإنه -من باب أولى- يكون رمزًا بالنسبة لغير الفنان من المتذوقين. والقول بأن العمل الفني رمز لمشاعر الفنان معناه قبول الشعور بوصفه إطارًا يرجع إليه لا عند البحث


١ Cyril Burt: How the Mind Works, p. ٢٧٩.
٢ وقد أنجزنا هذه المحاولة عمليًّا في كتابنا "التفسير النفسي للأدب"، دار المعارف بالقاهرة ١٩٦٣, ودار غريب للنشر ١٩٨٢.
٣ Basler: Sex, Symbolism and Pspchology in Literature, p. ١١.

<<  <   >  >>