أما فهمنا للأدب فيبدو -نسبيًّا- أنه لم يحدث به تغيير كبير, وما زالت قضية المتعة Delectare موضوع المناقشات عبر العصور المختلفة.
فالناقد في حاجة إذن لمعرفة تلك القوانين؛ لينظر في ضوئها إلى العمل الأدبي فيحكم عليه بحسبها، وعندئذ لا يعييه أن يجد التعليل, ولكن ينبغي أن نلتفت إلى أن هذه القوانين وحدها لا تكفي المعرفة بها حتى يستطيع الإنسان أن يعلل لحكمه، بل لا بد له من تجارب كثيرة يختبر فيها مقدرته على الحكم العادل. وهو بعد كل ذلك عرضة لأن يترك جوانب أخرى قيمة في العمل الأدبي الذي حكم عليه. فمن السهل أن نعرف قوانين "القصة القصيرة" مثلا وأن نقيس ما نقرأ من قصص كثيرة على ما عرفناه فنحكم بنجاح الكاتب أو إخفاقه في كتابة هذا النوع الأدبي, ولكن حكمنا بنجاحه أو إخفاقه, وفقًا للقواعد العامة، لا يمكن أن يعد حكمًا نهائيًّا على القصة من حيث قيمتها.
وننتهي من هذا إلى أن القواعد التي وضعت للنقد تساعد الناقد -عادة- على أن يتصور ما يقرأ، وأن يحدد مدى اندراجه تحت نوع أدبي بذاته، وتحقق الأصول الفنية لهذا النوع الأدبي.
والواقع أن هناك حكمين يصدرهما الناقد: الحكم الأول ينصب على مدى تحقق الأصول الفنية للنوع الأدبي الذي نقرؤه، والحكم عليه بأنه عمل أدبي. وهذا الحكم يستند -عادة- إلى فلسفة الناقد الخاصة في القيم.
وكما ذكرت الآن، تحددت للأدب منذ القدم قيمتان لا نكاد نجد أحدًا يخرج عليهما هما: المتعة والمنفعة. وقد نجد ألفاظًا أخرى كثرة تستخدم بديلا من هذين اللفظين، ولكن ليس من الصعب ردهما جميعًا إلى هاتين المقولتين. وكل ناقد يريد أن يكون قد فرغ من تحديد موقفه إزاء هذين النوعين من القيم, وكل من يتبع تاريخ النقد يلاحظ أنه تنقل بينهما. فالنقد الإغريقي كان ينشد من الأدب المنفعة، في حين أن النقد العربي كان ينشد المتعة. والذين يريدون أن يظهروا شيئًا من الحكمة يجمعون للأدب المهمتين، ويحكمون عليه بمدى تحققهما. وهكذا تحددت أمام الناقد قيمتان للأدب: قيمة جمالية وأخرى أخلاقية, فهو أحيانًا يحكم بقيمة العمل الأدبي بمقدار ما تحقق فيه من عناصر الجمال، وبما أحدثه في نفسه من متعة التأمل, وأحيانًا أخرى يحكم بقيمة العمل الأدبي بمقدار ما حقق من هدف أخلاقي. والهدف الأخلاقي هذا شيء يختص بسلوك الفرد والمجموعة بأوسع معاني كلمة السلوك، فيدخل فيها المعنى الديني، والمعنى الخلقي، والمعنى التثقيفي، والمعنى الاجتماعي. وعندئذ نجد ناقدًا يحكم بقيمة العمل