للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن حين نتحدث هنا عن الشعر لا نهدف بطبيعة الحال إلى أن نضع تعريفًا له يغني عن غيره من التعريفات، فهذا أمر عسير، فضلًا عن أن تحقيقه لا يجدي كثيرًا. ولكننا سنحاول أن نفهم طبيعة هذا الشعر ونتصور مكانه, ودوره بين الفنون الأخرى.

يقص علينا "بول فاليري" هذه القصة فيقول: إن المصور العظيم "ديجا"١ كان مغرمًا بأن يكرر لي شيئًا صادقًا كل الصدق، وبسيطًا كل البساطة، كان "مالارميه"٢ قد قاله له ذات مرة، فقد كان من عادة "ديجا" أن ينظم في المناسبات أشعارًا ترك منها نماذج قليلة ممتعة، ولكن كثيرًا ما كان يجد صعوبة كبيرة في كتابة هذا الفن الذي كان بالنسبة له يأتي في المرتبة الثانية بعد فن التصوير.. وذات يوم قال لمالارميه: ما أشق وأصعب مهمتك! إنني لا أستطيع أن أعبر عما أريد التعبير عنه، مع أن عقلي يصطخب بالأفكار, فأجابه "مالارميه": إن الشعر -يا عزيزي ديجا- لا يصنع من الأفكار، ولكنه يصنع من الألفاظ٣.

هذه القصة الطريفة تدلنا بوضوح على أن الشاعر لا يكفيه أن يحصل قدرًا من الأفكار حتى يستطيع أن يقول الشعر. قد تكون شاعرًا بينك وبين نفسك، ولكن الناس لن يعترفوا لك بذلك إلا عندما تقدم الدليل الملموس على ذلك. وليس لك من وسيلة في هذه الحالة إلا "الألفاظ"؛ فنحن لا نحكم على الشاعر إلا بعد أن نقرأ هذه الألفاظ التي كتبها، وفهم طبيعة الشعر يبدأ من هذه المرحلة، مرحلة استخدام الشاعر للألفاظ.


١ إدجار ديجا Edgar Degas "١٨٣٤-١٩١٧": رسام فرنسي، من أركان المدرسة الانطباعية.
٢ أسطفان مالارميه Stephane Mallarme "١٨٤٢-١٨٩٨": شاعر فرنسي, يعد مؤسس المدرسة الرمزية وزعيمها.
٣ Paul Valery and Abstract thought., "Essay" on Language and Literature. ١ ed., J. L. Hevsi, London, Allen Wingate, p. ٨٥.

<<  <   >  >>