واحدة أو عنوان العمل ذاته" وإلى كمية من التوابع، كالمحسنات والصور "التفصيلات الجميلة". أما فيما يختص بموسيقى الشعر, فإنهم يقفون منها بعيدًا، فبعضهم يعتقد أنه شيء لا يمكن إغفاله والتهاون فيه، وهي عند بعضهم موضوع لدراسات تجريدية علمية أحيانًا، وغير مثمرة في العموم.
فنقل القصيدة من صورتها "الشعرية" إلى صورة "نثرية" يعد قتلا للشعر فيها. القاعدة العامة التي تقول: إن كل ما يمكن أن يقال في النثر من الأفضل دائمًا قوله١ نثرًا -وهذا ما يؤكد الفارق الجوهري بين الشعر والنثر- هذه القاعدة تؤكد أن تحويل "العملة الشعرية" إلى "عملة نثرية" غير مستطاع إلا على حساب الشعر ذاته. وكلما كانت القصيدة "شعرية" قل إمكان التفكير فيها "نثريا" دون أن تتلف. فتلخيص القصيدة وصياغتها نثرًا يعد جهلا تاما بجوهر الفن, وليست الأفكار التي تظهر أو يوحي بها نص القصيدة هي الشيء الوحيد والرئيسي في الكلام، ولكنها وسائل تشترك بالتساوي مع الأصوات والإيقاع والانسجام والزخارف في أن تثير نوعًا من التوتر أو الهياج، وأن تخلق فينا عالمًا -أو حالة من الوجود- غاية في التآلف.
وتقسيم القصيدة إلى فكرة وصورة موسيقية ينظر إليهما على حدة، هو خطأ ظاهر، فموسيقى القصيدة ليست عملا مستقلا عن الشعور الذي تحتويه، أو هي لا تتم في زمن مستقل لا تتمثل فيه "الحالة" بكل حذافيرها، وإنما هي جزء أساسي لمن يريد تذوق الشعر من حيث هو شعر. ومن ثم يرى "فاليري" أنه إذا كان المعنى والصوت "أو إذا كان المحتوى والصورة" يمكن انفصالهما بسهولة، فإن القصيدة تنحل وتفسد؛ ذلك أن أي تجزيء لعناصر العمل الفني المتكاملة، واعتبار بعضها مستقلا عن بعضها الآخر، هو في الحقيقة إفساد لهذا العمل ولقيمته التعبيرية والشعورية على السواء.
فإذا انتفى تقسيم العمل الشعري وتفتيته، كان البحث عن فكرة في القصيدة، والحكم عليها بحسب قيمة هذه الفكرة "من وجهة نظر خاصة دائمًا" أمرًا منافيًا لطبيعة الشعر. إن الشعر قد يتضمن الأفكار، ولكن دور هذه الأفكار في الشعر يختلف عنه في النثر، فالفكرة في الكتاب الذي نقرؤه تتحدد في أذهاننا في أشكال متقاربة إن لم يكن في شكل موحد، ولكن الفكرة في القصيدة غير ذلك، فليس هناك معنى حقيقي للنص الذي نقرؤه، ولا سلطان للشاعر ذاته حتى نعود إليه فنعرف منه ذلك المعنى الحقيقي؛ لأنه هو نفسه قد لا يستطيع التحديد. "إنه أراد" أولا، وأخذت عليه هذه الإرادة وجوده
١ T. S. Eliot: Points of View., Faber and Faber, London, p. ٥٢.