ضابطًا، مفتيًا لأهل مذهبه بعد شيخه شهاب الدين أحمد الوفائي المفلحي، محبًا للعلم ملازمًا لبثِّه وإقرائه، لا ينقطع عن الإفادة، ولا يشغله عنه شاغل, مهما عظم، صيفًا وشتاء، عيدًا أو نازلة.
ويكفينا في تبيان ذلك، أنه حضر الدرس ليلة وفاة زوجته، وأقرأ الطلاب، وأبقاها في الدار ميتة، ليدفنها من غد تلك الليلة.
وكذا ليلة عرس ولديه محمد وسعودي، حضر الدرس, وكان فيه نفع عظيم.
أثنى عليه شيوخه، وأجازوه، ووصفوه في إجازاته: بالشيخ الإمام العلامة النحرير الفهامة، إلى غير ذلك من الأوصاف اللائقة بذلك المحقق.
ولو لم يكن له من منقبة إلا ترحاله في طلب العلم لكفته، فما بالك بكثرة ما حازه من علم، وتمكنه من فقه المذهب والحديث والسنة، وكثرة الشيوخ والطلبة، وكونه مسندًا من أكابر مسندي القرن الحادي عشر، وكثرة ما أقرأه من كتب العلم في دروسه العامة، فضلًا عن دروسه الخاصة بتلامذته الذين نقلوا عنه علمه، وثناء شيوخه بما تقدم.
ومن تتبع تراجم أساتذته وجدهم أكابر عصرهم، ومقدمي بلادهم، وهذا يدل على روية وسعة أفق، وحسن اختيار، وأن الشيخ كان ينتقي من يقرأ عليه، لا أنه يطلب علمًا, فيلقي عصا الترحال عند أول من يلقاه مدرسًا لذلك العلم.
فإن ثنَّى على ذلك وتتبع تراجم تلامذته، - وسيأتي ذكرهم إن شاء الله قريبًا- وجدهم أيضًا من مشاهير الناس، وأكابر العلماء كأساتذته، وهذا حق لا مداهنة فيه ولا مبالغة، فإن ربط بين هؤلاء وهؤلاء بالشيخ عبد الباقي البعلي، بما له من مناقب، وجد أنه جمع علمًا جمًا عن جمع وأده إلى جمع جم، أخذه عن عظماء وأداه إلى من أضحوا به عظماء، فكان أمينًا على ما أنعم الله به عليه.
وأرى أنه مجدد ذلك العصر، وحامل لواء تلك المرتبة، فقد وصل بغالب العلوم العقلية والنقلية إلى مرتبة النظر والتحقيق والتحرير، على ما يشهد بذلك المحبي, وكمال الدين الغزي في كتابيهما.