وأصرح منه رواية محمد بن سيرين قال: إنه كان فيه ـ أي في هذا القدح ـ حلقة من حديد فأراد أنس بن مالك أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة: ((لا تغيرن شيئاً صنعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتركه)) .
إذن: كان هذا الإناء الذي هو قدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يغيرها فنهاه أبو طلحة الإنصاري ـ زوج أمه ـ ثم بعد ذلك غيَّره أنس وجعل ذلك فضة على الإختيار.
إذن: فاعل ذلك ليس هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما هو أنس.
ـ وأنس ـ رضي الله عنه ـ صحابي وقوله حجة لكن إذا لم يعلم له مخالف.
وهنا له مخالف وهو ابن عمر، فقد ثبت في سنن البيهقي بإسناد صحيح: أنه كان لا يشرب من إناء فيه حلقة فضة، أو ضبة فضة) .
إذن: قد خالفه ابن عمر، فلم يبق قوله حجة.
فالقول الراجح: هو ما ذهب إليه الإمام مالك من النهي عن ذلك مطلقاً فالضبة محرمة مطلقا كثيرة كانت أو يسيره من فضة أو غيرها لحاجة أو وغير حاجة كما هو مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ.
ـ واعلم أن مما استدل به أهل العلم على تحريم الضبة على الإطلاق: مارواه الدارقطني وقال: إن إسناده حسن: من حديث ابن عمر: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نهى أن يشرب من إناء ذهب أو إناء فضة أو إناء فيه شيء منهما فمن فعل ذلك فإنما بجرجر في بطنه نار جهنم) ، لكن الحديث من حديث زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر. وزكريا مجهول وكذلك أبوه فالحديث ضعيف، وقول الدارقطني:"إسناده حسن" ليس بحسن بل الحديث ضعيف وقد ضعفه ابن القطان وابن تيمية والذهبي وابن حجر، فالحديث ضعيف لا يحتج به، ومع ذلك فإن الضبة محرمة للتعليل المتقدم.
* قوله:((وتكره مباشرتها لغير حاجة)) :
إذن: هي جائزة أولاً، ولكن مباشرتها مكروهة لغير حاجة.