للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه لما كان من عبادته أن يتقبل هديتهم ويحسن جوارهم، ولما جاء وفد نصارى الحبشة أنزلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وقام بنفسه على ضيافتهم وخدمتهم، وكان مما قاله يومئذ: "إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين فأحب أن أكرمهم بنفسي".

وجاء مرة وفد نصارى نجران فأنزلهم في المسجد وسمح لهم بإقامة صلاتهم فيه، فكانوا يصلون في جانب منه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون يصلون في جانب آخر، ولما أرادوا أن يناقشوا الرسول في الدفاع عن دينهم، استمع إليهم وجادلهم، كل ذلك برفق وأدب وسماحة خلق، وقبل الرسول من المقوقس هديته، وقبل منه جارية أرسلها إليه، وتسرى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولدت له إبراهيم الذي لم يعمر إلا أشهرًا قليلة، ومن وصاياه للمسملين: "استوصوا بالقبط فإن لكم فيهم نسبا وصهرا" ١.

من صور التسامح في حياة الصحابة رضي الله عنهم، على هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تسامحه الديني ذي النزعة الإنسانية الرفيعة سار صحابته من بعده:

فها هو عمر ت٢٣هـ، رضي الله عنه، حين يدخل بيت المقدس فاتحا يجيب سكانها إلى ما اشترطوه، من ألا يساكنهم فيها يهودي، وتحين صلاة العصر وهو داخل كنيسة القدس الكبرى، فيأبى أن يصلي فيها كي لا يتخذها المسلمون من بعد ذريعة للمطالبة بها واتخاذها مسجدا.

ونجده وقد شكت إليه امرأة مسيحية من سكان مصر أن عمرو بن العاص ت ٤٣هـ، رضي الله عنه، قد أدخل دارها في المسجد كرها عنها، فيسأل عمرا عن ذلك، فيخبره أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم وفي جواره دار هذه المرأة وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترض، مما اضطر عمرا إلي هدم دارها وإدخالها في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت، ومع أن


١ مجمع الزوائد: ٦٣/١٠، ٦٤/١٠، صحيح ابن حبان: ٦٨/١٥، ٦٩/١٥، عدة روايات بألفاظ متقاربة.

<<  <   >  >>