مشاركة أبناء البلاد المفتوحة في عصر التدوين بِهمّة إلى جانب العرب الخلص:
تبين مما سبق أن الحركة العلمية في عصر التدوين نمت نموا عظيما وكان من أهم عوامل هذا النمو المسلمون من غير العرب، يقول الخضري في كتابه تاريخ التشريع: دخل في الإسلام عدد عظيم من الفرس والروم والمصريين منهم من أسروا صغارا وتربوا تحت كنف ساداتهم من المسلمين فورثوا عنهم ما عندهم من العلوم الإسلامية التي أساسها الكتاب والسنة، فحملوا منهم شيئا كثيرا وكان منهم القراء الكبار والمحدثون العظام بجانب إخوانهم من العنصر العربي، ومنهم من دانوا بالإسلام وهم كبار، وهذا من شأنه تلاقح الأفكار وإنضاج العقول١.
ومن القصص الطريفة التي تؤكد المعنى السابق، ما جاء في العقد الفريد: أن ابن ليلى ت ١٤٨هـ، قال: قال عيسى بن موسى -وكان ديانا شديد العصبية-: من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال: ثم من؟ قلت: محمد بن سيرين، قال: فما هما؟ قلت: موليان، قال: فمن كان فقيه مكة؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وسليمان بن يسار، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالٍ، قال: فمن فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافع بن أبي نجيح، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالٍ، فتغير لونه ثم قال: فمن أفقه أهل قباء قلت: ربيعة الرأي، وابن أبي الزناد، قال: فما كانا؟ قلت: من الموالي، فاربدَّ وجهه، ثم قال: فمن فقيه اليمن؟ قلت: طاوس، وابنه، وابن منبه، قال: فمن هؤلاء؟ قلت: من الموالي، فانتفخت أوداجه وانتصب قاعدا، ثم قال: فمن كان فقيه خراسان؟ قلت: عطاء بن