للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا

وبرجوعنا إلى الديوان نطلع على الرواية الصحيحة وهي:

....لسانك هذا كي تغر وتخدعا١

فالرواية التي احتجوا بها محرفة في موضع الاستشهاد نفسه، وإذاً لا صحة للقاعدة المزعومة، فالواجب تحرير الشاهد والتوثق من ضبطه في مظانة السليمة قبل البناء عليه.

٧- كما يفيد جداً الرجوع إلى الشاهد في ديوان صاحبه إن كان شعراً، يفيد الرجوع إلى مصادره الأولى إن كان نثراً لمعرفة ما قبله وما بعده، فكثيراً ما يكون الشاهد الأبتر داعية الخطأ في المعنى والمبنى:

زعم بعضهم جواز مطابقة الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد والثنية والجمع فأجاز قول "جاؤوا الطلابُ" واحتج بحديث في موطأ مالك:

"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة في النهار.."

ولا غبار على الاحتجاج بالحديث البتة، ولكننا حين رجعنا إلى موطأ مالك وجدنا للحديث أولاً وهو:

"إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة في الليل وملائكة في النهار.." وإذاً لا شاهد صحيحاً على قاعدتهم المزعومة.

٨- ينبغي التفريق بين ما يرتكب للضرورة الشعرية وما يؤتى به على السعة والاختيار، فإذا اطمأنت النفس إلى بناء القواعد على الصنف الثاني ففي جعل الضرورة الشعرية قانوناً عاماً للكلام نثره ونظمه الخطأ كل الخطأ:

ادعى بعضهم جواز الرفع: بـ"لم" مستشهداً بقول قيس بن زهير:

ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد١

فإذا فرضنا أن الشاعر قال "يأتيك" ولم يقل مثلاً "يبلغْك"، يكون قد ارتكب ضرورة شعرية قبيحة، ولا يجوز البتة أن تبنى قاعدة على الضرورات.

٩- المعوّل في امتحان أوجه الإعراب والترجيح بين أقوال النحاة على المعنى قبل كل شيء، فهو الذي يجب أن يكون الحكم في كل مناقشة.


١- مغنى اللبيب ١/١٩٩,١١٤ طبعة دار الفكر - بيروت.

<<  <   >  >>