والكل في صحيح مسلم؛ فلم تكن على يقين ولا ظن قائم من مروي هذا الحديث؛ فعدلنا إلى اليقين، وهو الكعبة.
الصورة الثالثة:
من جوز توصله إلى اليقين كمن أشبه عليه إناءان وجوز أن يكون في داره ماء طاهر بيقين؛ فلا يجب عليه الكشف عن ذلك، وهذه نظير مسألة الأصوليين في الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم للغائب والحاضر عنه فقط، وهي مسألة ذات خلاف مشهور ذكر الإمام الرازي في "الحصول" أنه لا ثمرة له في الفقه، اعترضه الشيخ صدر الدين بن المرحل بنحو ما أوردت من الصور؛ فزعم أن ثمرة الخلاف تظهر فيها وتبعته أنا في "شرح المنهاج".
ثم لاح لي أنه وهم، فإن القادر على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتقين أنه قادر على اليقين حتى يتيقن أنه أنزل عليه في مسألته وحي؛ وإلا فما لم ينزل الوحي لا حكم، فلا قطع ولا ظن؛ فغاية القادر على سؤاله. عليه أفضل الصلاة والسلام- وأنه يجوز نزول الوحي فيكون مجوزا لليقين.
فإن قلت: لم جرى الخلاف الأصولي؟
قلت: مأخذه باقي الاجتهاد مع وجود سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم من التحري وما فيه من سلوك طريق لا يأمن فيه الخطأ مع التمكن من طريق يؤمن فيها الخطأ؛ فوضح ما قاله الإمام فخر الدين١ -من أنه ثمرة للمسألة الأصولية- صحيح.
نعم: اختلف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم -خلافا يظهر ثمرته- كما ذكرنا في "شرح المختصر" فيما ذكرناه من الصور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قادر على اليقين. بسؤال ربه تعالى.
قاعدة: الموجود المقترن بالمانع الحسي أن الشرعي كالعدم وبيانه بصور.
١ محمد بن عمر بن الحسين بن حسن بن علي العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستان الأصل ثم الرازي ابن خطيبها المفسر المتكلم إمام وفقيه في العلوم العقلية وأحد الأئمة في علوم الشريعة صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث وتوفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة. ابن قاضي شهبة ٢/ ٣٦٦، وفيات الأعيان ٣/ ٣٨١، لسان الميزان ٤/ ٤٢٦، البداية والنهاية ١٣/ ٥٥، النجوم الزاهرة ٦/ ١٩٧، مرآة الجنان ٤/ ٧.