للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل فأعملناها]

ولنبتدئ في ذلك بحديث "الخراج بالضمان" فأقول: قد علل سيد الأولين والآخرين وأعلم الخلق أجمعين -محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بأنسب العلتين عند ازدحامهما. وفي ذلك دلالة على أنه لا يعلل بهما حينئذ؛

وإنما قلت: إنه علل بالأخيل، لأنه لما قال له الرجل المردود عليه بعده بعيب، بعد ما شاء الله أن يقيم عند المشتري. يا رسول الله: قد استعمل غلامي، قال صلى الله عليه وسلم:

الخراج بالضمان١، يعني. ما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغلة؛ فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك؛ فإنه لو تلف المبيع كان بضمانه؛ فالغلة له لتكون الغنم له في مقابلة الغرم.

فإن قيل: لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع، ثم العقد أو الفسخ؛ إذ لا ضمان حينئذ، ولم يقل بذلك أحد؛ وإنما يكون له إذا تم العقد.

فالجواب: أن الشيخ الإمام رحمه الله ذكر في شرح المنهاج أن الحكم قد يعلل بعلتين، فالخراج يعلل قبل القبض بالملك وبعده بالضمان والملك جميعًا.

قال: واقتصر صلى الله عليه وسلم على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده أن الخراج للمشتري؛ فقيل له: إن الغنم في مقابلة الغرم.

قلت: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة بعد القبض الضمان وإن كانت قبل القبض الملك، لأنه لما ازدحم بعد القبض علتان -وهما الملك والغرم علل بأنسبهما وهو الغرم بخلاف ما قبل القبض فإنه لم يكن إلا واحدة فاحتيج إلى أعمالها. وهذا ما أوردناه للتنبيه عليه.

فإن قيل: لو كانت العلة الضمان لزم أن تكون الزوائد للغاصب، لأن ضمانه أشد من ضمان غيره، وما كانت العلة أنسب وأشد إلا وكان الحكم فيها أولى، وهذا بحر إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله.

قلنا: المعنى بالضمان ها هنا ضمان الملك لا مطلق الضمان؛ وذلك مقرر في مكانه، وهذا وضع المذهب وعلى أرباب الخلاف تقريره، وكان الغرض منه التطرف إلى أنه لا ينبغي -عند اجتماع وصفين أحدهما أنسب- أن يقال هما علتان؛ بل العلة الأنسب فإن طلب منا دليل شرعي؛ فحسبنا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا عمل الفقهاء وإليه أشار الرافعي في كتاب الطهار في الكلام على تكفير الكافر بالإعتاق لما تكلم على قول


١ الشافعي في المسند ٢/ ١٤٤ في البيوع باب فيما نهى عنه من البيوع "٤٨١" وأحمد في المسند ٦/ ٤٩- ٨٠- ١١٦ وأبو داود في البيوع/ باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا "٣٥٠٨/ ٣٥١٠" والترمذي ٣/ ٥٨١- ٨٥٢ في البيوع باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا "١٢٨٥/ ١٢٨٦" وقال حسن صحيح، النسائي ٧/ ٢٥٤ في البيوت/ باب الخراج بالضمان "٢٢٤٣"، الحاكم ٢/ ١٥ وصححه وأقره الذهبي.