وهذه القاعدة متعددة الفروع غير منصوصة لصاحب المذهب، رضي الله عنه -لا يعرف فيها نص صريح، ولكن دل نصه في باب الخيار في السلف في مسألة اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم على اعتبار المعنى وكذلك قال في أول باب الشفعة من "الأم" إذا كانت الهبة على ثوب معلوم وهو بالمبيع أشبه؛ لأن البيع لم يعطه إلا بالعوض، وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض.
وأنا منبهك في هذه القاعدة على أمور.
أحدها: أنها مخصوصة بالعقود فيما يظهر من كلام كثير من الأصحاب منهم الإمام الغزالي، وصاحبا التتمة والبحر والرافعي.
وكلام من أطلق -أنه هل العبرة باللفظ أو بالمعنى- محمول على من قيد بالعقود، وسيظهر لك عند عد الفروع كيف خرج قوم على هذا الضابط وليس لهم هذا؛ فإن المذهب نقل ولم ينقل الخلاف إلا في العقود.
الأمر الثاني: أن محلها ما إذا تعذر العمل باللفظ، أما إذا لم يتعذر فلا شك في اعتباره، ومن ثم أقول قد يقال: إنها ليست فرعا للقاعدة السابقة في أن الإعمال أولى ن الإهمال؛ لأن تلك في إعمال لفظ أمكن حمله على أحد محامله وإن بعدت، وهذه في الخروج عن اللفظ بالكلية إلى معنى آخر والأقرب أنها هي؛ فإن المعنى الذي يحمل عليه فلا بد أن يكون بينه وبينه علاقة وإلا فيكف يحمل على ناء عنه بالكلية:
وقد قدمنا أن مثل هذا يصير بالنسبة إلى اللفظ -بالكلية- كاللغز؛ فلا يعتبر وقد قدمنا كلام الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في ذلك.
الأمر الثالث: لم أر من بسط القول في مفتاح هذه القاعدة أكثر من صاحب التتمة وتبعه صاحب البحر، وهو كثير الاتباع له فيما لا نجده في الحاوي.
وملخص ما ذكرناه في مسألة "وهبت منك بألف" خلاف في أن الاعتبار بظواهر اللفظ أو بمعانيها.
وأراد بالظواهر الألفاظ، واستدل باعتبار اللفظ بأنه الموضوع لإعادة المعنى الذي يفهم منه عند الإطلاق، ولهذا إذا أراد الطلاق بالظهار وعكسه لا تعتبر إرادته ويحمل اللفظ على بابه، قالا: واعتبار المعنى عدول عن مقصود اللفظ، ولفظ اللغة لا يعدل به