الشريعة معه أن يجعل الإحاطة بالأصول سوقه الألذ وينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول، ولا ينزف حمام ذهنه في وضع الوقائع مع العلم بأنها لا تنحصر على الذهول عن الأصول" انتهى.
وإن تعارض الأمران وقصر وقت طالب العلم عن الجميع بينهما -لضيق أو غيره من آفات الزمان- فالرأي لذي الذهن الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ.
إذا عرف ذلك فالقاعدة: الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منها١". ومنها ما لا يختص بباب كقولنا:"اليقين لا يرفع بالشك" ومنها ما يختص كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور" والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن تسمى ضابطا. وإن شئت قل: ما عم صورا، فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم فهو مدرك، وإلا فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط من غير نظر في مأخذها فهو الضابط؛ وإلا فهو القاعدة.
فإن قلت: فخرج عن القاعدة نحو قول الغزالي "رحمه الله" في الوسيط: "قاعدة لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهة ففي الانعقاد وجهان"، فقد أطلق القاعدة على فرع منصوص قلت: إنما أطلقها عليه لما تضمنته من المآخذ المقتضي للكراهة لأن فعل الشيء في الوقت المنهي عنه هل ينافي حصوله؟ فلما رجع الفرع إلى أصل هو قاعدة كلية حسن إطلاق لفظ القاعدة عليه. وذلك نظير قوله أيضا: قواعد ثلاث: الأولى، التطوعات التي لا سبب لها، لا حصر لركعاتها.
١ وقيل حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته؛ ليتعرف به أحكام الجزئيات، وقيل: القاعدة حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته، وقيل: غير ذلك، انظر تقدمتنا على الاعتناء في الفرق والاستثناء.