قال الرافعي: ولمن رجح الثاني أن يقول: لم قلت أن المصروف إلى الأهل لم يقع تكفيرا؛ فإنا روينا وجها مجوزا له عند الفقر.
وإن سلمنا ذلك، ولكن يحمل أن يكون الفرض باقيا في ذمته، ولم يبين له ذلك؛ لأن حاجته إلى معرفة الوجوب؛ إنما تمس عند القدرة، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز.
قلت: وأوضح من دعوى تأخير البيان إلى وقت الحاجة، أن يقال لم يؤخر البيان، بل بين حيث أمر بالصدقة.
ومن ثم قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: في الحديث ما يدل للوجه الصحيح؛ لأن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه عن الثلاث، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرق من تمر؛ فقال: خذ هذا، فتصدق به ولو لم تكن استقرت في ذمته لما أمره بالصدقة.
وكلام الشيخ الإمام -رحمه الله- هذ- متين، وبه يقع الانفصال على أمرين.
أحدهما: أن الرافعي قال: إنه لا يمكن الاستدلال بخبر الأعرابي على الجمع في هذه الصورة -يعني على السقوط- وفي صورة صرف الكفارة إلى الأهل والعيال على الجواز؛ وإنما يمكن الاستدلال به في أحدهما لأن المأمور بصرفه إلى الأهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون.
إن كان: لم يصح الاستدلال به في هذه الصورة.
وإن لم يكن: لم يصح في الصورة السابقة.
قال الشيخ الإمام: قول الرافعي -إن كان كفارة ل يصح الاستدلال به في هذه الصورة ممنوع؛ لأن وقت الوجوب كان قد تقدم؛ فلو سقطت بالعجز حال الوجوب لما صرفت بعد ذلك، فالمأمور بصرفه إلى العيال إن كان كفارة صح الاستدلال بصرفه، والأصح الاستدلال بالأمر -قبل ذلك- بالتصدق به انتهى.
وأقول: هذا -على حسنه- لا يلاقي كلام الرافعي؛ لأن مراد الرافعي بتقدير كونه كفارة -أنه لا يصح الاستدلال به في الصورة على عدم السقوط؛ فإن الرافعي لم يذكر أن في الحديث دلالة على البتة؛ وإنما ذكر ذلك الشيخ الإمام ولا شك أنه متى كان كفارة دل على عدم السقوط، ومتى دل على عدم السقوط لم يستدل به على السقوط لأن بينهما تنافيا".