ونص الشافعي رضي الله عنه -حيث قال:"وكذلك المدلس قد عصي الله تعالى والبيع لازم الثمن حلال" يدل التحريم كل تدليس.
وهذا نص حكاه الماوردي في الحاوي: قبيل فصل تلقي الركبان، وحكى أن أبا علي بن أبي هريرة رحمه الله تعالى كان يقول:"إن ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع؛ ألا ترى أن المبيع إذا فات رجع على البائع بأرش عيب التدليس؛ فدل على أنه أخد منه بغير استحقاق" انتهى.
وهذا الذي حكاه عن ابن أبي هريرة١ غريب، ومعناه أن الزيادة بسبب التدليس محرمة لا جملة الثمن.
ولم يذكر صاحب البحر هذا -مع كثرة استقصائه لكلام الحاوي- ثم إن الإمام رحمه الله قال- بعد ذكر هذه القاعدة:"ومما لا يجب التعرض له ذكر القيمة؛ فليس البائع مقيدا -في الشرع- بأن يبيع الشيء بثمن مثله قال: وهذا ينبني على ما ذكرناه؛ فإن الغبن بمجرده -إذا- اطلع على المشتري لا يثبت له خيار - انتهى.
وقد حكى الشيخ الإمام رحمه الله هذا كله عن الإمام في أوائل باب الرد بالعيب من تكلملة شرح المهذب - ساكتا عليه.
وأقول: إن أراد الإمام أنه لا يجب على البائع ذكر قيمة المبيع -في نفسه- فهو حق، وليس عدمه تدليسا البتة، وإن أراد ما إذا اشترى بغبن، ثم أراد البيع -في باب المرابحة- فالصحيح وجوب ذكر الغبن؛ لكن صحح الإمام والغزالي عدم وجوبه؛ فالإمام جار على أصله غير أنه أشار إلى هذه المسألة بقوله: "إذ الغبن -بمجرده- إذا اطلع عليه المشتري لا يثبت له خيار"، إن أراد به الغبن في المبيع من حيث هو إذا اشتراه بدون قيمته ولم يبعه مرابحة ولا أخبر بالثمن فصحيح وليس مما نحن فيه.
١ الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي أحد الأئمة من أصحاب الوجوه تفقه على ابن سريج وأبي إسحاق المروزي ودرس ببغداد وروى عنه الدارقطني وغيره وتخرج به جماعة من الأصحاب مات ببغداد في رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة -ابن قاضي شهبة ١/ ١٢٦، تاريخ بغداد ٧/ ٩٨، وفيات الأعيان ١/ ٣٥٨، شذرات الذهب ٢/ ٣٧٠، البداية والنهاية ١١/ ٣٠٤، ابن السبكي ٣/ ٢٥٦.