للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تكون اللفظة يفهم منها عقد خاص، وأن يوقف وجود أثره على أمر وراءها وهب يفهم منها البيع، وتوقف حصوله على ذكر الثمن لا يمنع من هذا الفهم، كما أن حصوله متوقف -أيضا- على القبول وأشياء آخر.

وإذا تأملت هذا البحث الذي حركته لك -سؤالا وجوابا- ترددت في أن القول بالبطلان في قوله: بعتك بلا ثمن -هل منشاه تجرد اللفظة عن ذكر الثمن، أو نفي الثمن عنها؟ فيحتمل أن يقال بالأول، والأقرب الثاني، ويشهد له أن التعليل بالوصف الوجودي أولى من العدمي، وذكر نفي الثمن وجودي، والتجرد عن إثباته عدمي.

وأن من قال بالصحة، وجعلها هبة -نظرا إلى المعنى- إنما أخذ ذلك من قوله: بلا ثمن- لا من التجرد؛ فدل على أن النزاع في أنها بيع فاسد أو هبة ناشيء عن نفي الثمن لا عن التجرد؛ فدل أن -بعتك- يفهم منها البيع لولا انضمام عدم الثمن؛ فكانت من قبيل القاعدة.

فإن قلت: لا فرق بين بعتك بلا ثمن وقارضتك على أن الربح لك؛ فإن تجرد "قارضتك" عن ذكر الربح كتجرد "بعتك" عن ذكر الثمن.

قلت: ليس كذلك، بل تجرد "بعتك" لا صحة للبيع معه؛ إذ "البيع بلا ثمن" غير معقول، ولا يعرف الثمن إلا بذكره، فما لم يذكر لم يكن، بخلاف القراض، فإنه -وإن أطلق- يمكن أن يقال: أن له مرادا -وهو جعل الربح نصفين- كما هو أحد الوجهين فيما إذا قال: هذه الدار لزيد وعمرو حيث يجعلها بينهما نصفين، ولذلك لا يختلف الأصحاب في بطلان البيع المجرد عن الثمن واختلفوا في القراض.

القاعدة الثانية:

قال أبو العباس رضي الله عنه: كل لفظة وضعت لعقدين فأكثر، لم ينصرف إطلاقها إلى شيء؛ فإن عقبها ببعض ما يصلح١ لتلك العقود أخلصها له.

واستشكل الشيخ الإمام -رحمه الله-[قوله] ٢ "وضعت لعقدين"، وقال: إن أراد الاشتراك اللفظي لم تطابق المسألة التي ذكر فيها هذه القاعدة وهي قول رب المال للعامل: تصرف والربح كله لك؛ فإنه تصرف متواطئ لا مشترك -وإن حمل على أنه


١ في "ب" لتلاف.
٢ سقط من "ب".