للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقل من حيث الحكم، والحاصل أن هذا عنده مما حكم فيه بخلاف الظاهر، وأنه أمر بعدي غير معقول المعنى.

فطريقة جوابه أن يبين أن هذا جارٍ على وفق الأقيسة الواضحة المعاني، لا أن يقال له: هذه نزعة أسامة، فإنه لا ينكر ذلك، بل نقول: ومن ثم لم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة قودا ولا دية. إنما ذلك –والله أعلم- حيث كان [أقدم] ١ عن اجتهاده ساعده المعنى، ولكن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم الله أن من قالها فقد عصم دمه وماله، وقال: "هل شققت عن قلبه" ٢ إشارة إلى نكتة الجواب.

والمعنى –والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن هذا الظاهر مضمحل بالنسبة إلى أن القلب لا يطلع على ما فيه إلا خالقه، ولعل هذا أسلم حقيقة وإن كانت تحت السيف ولا يمكن دفع هذا الاحتمال.

وفي الحديث الصحيح٣: "عجب ربنا من قوم يدخلون الجنة في السلاسل"، وفي لفظ: "يقادون إلى الجنة في السلاسل" ٤.

قيل: أراد بالجنة الإسلام وبالقوم الأسرى يكرهون على الإسلام٥، فجعل


١ في ب: "إقدام".
٢ قال النووي في شرح مسلم ٢/ ١٠٧: فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر؟ والله يتولى السرائر. وانظر الأبي على مسلم ١/ ٢٠٩.
٣ أخرجه البخاري ٦/ ١٦٨ الجهاد باب الأسارى في السلاسل حديث "٣٠١٠".
٤ أخرجه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أبو داود ٣/ ٥٦ كتاب الجهاد باب في الأسير يوثق حديث "٢٦٧٧".
٥ فتح الباري ٦/ ١٦٨-١٦٩، فيض القدير ٤/ ٣٠٢-٣٠٣.
قال الغزالي: المراد بالسلاسل الأسباب؛ فإنه تعالى أمر بالعمل فقال: اعملوا وإلا أنتم معاقبون مذمومون على العصيان، وذلك سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجانه سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور، وذلك سبب الوصول إلى جوار الرحمن في الجنان وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده الله بسلامها إلى الجنة ومن قدر له الشقاء أصمه عن سماع كلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون للدنيا والانهماك في اللذات وإذا لم يتركها صار في حزب الشيطان.
فيض القدير ٤/ ٣٠٣.